الرُّوح والفرجار

 

سعيدة البرعمية

المشهد الذي يكرِّر نفسه كل صباح، أمام بائع الحليب وهو يوزع الحليب على بيوت القرية.

الروح تُطارد الفراشات ذات الألوان والأشكال المختلفة، من زهرة إلى أخرى، بين الأشجار وعلى مجرى العين.

الأم تنادي ابنتها: تعالِ يا الروح يكفي يا صغيرتي.

الروح: ولكن ما زلت أرغب باللحاق بهن، هناك مجموعة متجهة نحو الوادي وأخرى نحو التل.. تضحك الأم: هاهاهاها هذه أنت لن تتغيري.

عادت الروح ودقات قلبها الصغير تتسارع وقد احمرَّ خداها وهي تقول: ها أنا قد عُدت يا أمي، رأيت اليوم أروع الفراشات على الإطلاق. آآه يا أمي، أريد أن أحصل على جميع الفراشات على الأرض، وأعمل لها حديقةً كي يراها كل الأطفال.

الأم: ليس كل الأطفال يعشقون الفراشات مثلك، لكل منهم اهتماماته يا حلوتي.

تصمُت الروح وتستلقي على أقرب أريكة  لها، واضعةً يديها الصغيرتين تحت رأسها محدقةً بسقف المنزل، تتلألأ عيناها باسترجاع مشهد الفراشات، بينما تذهب الأم لترتيب المنزل.

لحظات جميلة يقطعها صوت غريب، يعلو صارخاً من على سطح المكتب قائلا: هذا يكفي لقد تحملنا بمافيه الكفاية.

انتبهت الروح للصوت، وقالت: هذا صوت منقلتي!

المنقلة: كفاك غروراً واستعلاءً، تتكلمين وكأنك وحدك ذات الأهمية وما دونك عديم الفائدة.

لقد صبرنا حتى نفذ الصبر منا، أنا وعزيزي الفرجار، تسخرين منه وتصفينه بالأعرج الذي لا يعيره الإنسان اهتمامًا سوى في رسم الدائرة، وتصفيني بالحدباء التي ينقصها الكثير لتصل إلى مستوى استقامتك ورشاقتك.

تُواصل كلامها بصوت عال وأحرف تفيض غضبا، تخنق العبرة بعض مخارجها، قائلة: نحن لا ننكر شكلك الجميل والمتناسق، ولا ننكر أهميتك، ولكن نحن أيضا نمتلك من الجماليات والأهمية ما يجعلنا نثق بقدراتنا ونعشق أشكالنا، تتابع كلامها: نعم هو أعرج وأنا حدباء؛ ولكن إن استطعتِ أن تأخدي وظائفنا في علبة الهندسة لما اتخذناها مسكناً يوماً. هل استطعتِ يوما ما قياس زاوية أو حتى رسم دائرة؟ حتما لا.

إن استطاع الطالب والمهندس والمعلم الاعتماد عليك والاستغناء عنا لرحلنا فورا؛ هكذا صنعونا لنلبي متطلباتهم.

هنا.. أطرقت المسطرة رأسها خجلا. وقد فهمت ما حل بصاحبيها من أذى؛ جراء كلماتها الساخرة المقللة من شأنهما، وأخذت تلوم نفسها، وانهمرت دموع الندم على وجنيتها، حتى رق لها قلبي صاحبيها وقبلا اعتذارها.

تعليق عبر الفيس بوك