التحكيم وأهميته كوسيلة بديلة لحل النزاعات

 

عبدالمجيد يحيى الراشدي

 

التقاضي حق من الحقوق الأساسية للإنسان، ويقع على عاتق الدولة كفالة توفيره وتيسير السبل للوصول إليه من دون مشقة للكافة أمام المحاكم التي تنشئها، كما يقع عليها حسن اختيار القضاة وتدريبهم وتأهيلهم لتحمل المسؤولية وتضع القوانين التي تطبقها والتي تساندهم في عملهم، ومع كل جهود الدولة لتوفير الضمانات التي تكفل العدالة المرجوة، إلا أنه ما زال نظام التقاضي الاعتيادي في أحيانٍ كثيرة يتسم بطول الإجراءات وبطء التقاضي لأسباب عدة لسنا في مجال سردها، ويظهر أثر هذا العيب أكثر في المعاملات التجارية، لما يسببه التأخير من عدم استقرار الشركات المتخاصمة لعدم معرفة ما ستؤول إليه الدعوى بعد طول أجل، وهو ما يؤدي إلى إرباك خططها التجارية ويضعف قدراتها التنافسية، ويعطل حركة الأموال وتنفيذ العقود التجارية.

لكل تلك الأسباب ظهر ما يسمى بالتحكيم كوسيلة بديلة لتسوية النزاعات، وهو طريق استثنائي يلجأ إليه الخصوم خاصة التجاريين باتفاق بينهم سواء كان في عقد العمل بينهم أو من خلال اتفاق لاحق ﺑﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻋﻼﻗﺔ ﻗﺎﻧﻮﻧﯿﺔ ﻣﻌﯿﻨﺔ ﻋﻘﺪﻳﺔ ﻛﺎﻧﺖ أو ﻏﯿﺮ ﻋﻘﺪﻳﺔ، وذلك من خلال تعيينهم محكما أو أكثر لحسم أي نزاع قد يحصل بينهم أو باللجوء للمحكمة المختصة لتعيين محكم، وﻳﺠﺐ أن ﻳﺤﺪد الاﺗﻔﺎق اﻟﻤﺴﺎﺋﻞ اﻟﺘﻲ ﻳﺸﻤﻠﮭﺎ اﻟﺘﺤﻜﯿﻢ، وذلك بقصد الابتعاد عن الولاية العامة للقضاء والإجراءات الروتينية المعتادة في المحاكم، وكذلك الرغبة في إنهاء الخلاف بشكل سريع، وأيضاً للسرية التي يمكن أن تصاحب التحكيم بعيدا عن العلن وأعين الناس وما قد يثار من كلام ولغط وشائعات حول الشركة حفاظاً على سمعتها.

وتظهر أهمية التحكيم في التجارة الدولية بشكل أكبر، إذ يحق للخصوم تعيين القانون الواجب التطبيق والذي قد يكون قانونا وطنيا لأحد الخصوم وأجنبيا على الآخر أو يكون أجنبيا على الكل، وذلك باختيار اتفاقية معينة أو قانون مختار ليجري تطبيقه على النزاع. ويعد التحكيم وسيلة فعَّالة وسريعة لحل المنازعات متى ما تعاون الخصوم مع المحكم في مده بالمذكرات الشارحة لموطن النزاع وبطلباتهم وإرفاق المستندات المؤيدة لها والالتزام بالموعد المحدد لإجرائه وعدم وضع عقبات مصطنعة لتعطيل التحكيم.

ونجد أن معظم الدول قد أقرت بالتحكيم كطريقة لإنهاء النزاعات وتشجع على الأخذ به، وفي سلطنة عمان صدر المرسوم السلطاني رﻗﻢ 47 / 97  ﺑﺈﺻﺪار ﻗﺎﻧﻮن اﻟﺘﺤﻜﯿﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﺎزﻋﺎت اﻟﻤﺪﻧﯿﺔ واﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ وقد نص على أن ﻟﻔﻆ "اﻟﺘﺤﻜﯿﻢ" ﻳﻨﺼﺮف ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ھﺬا اﻟﻘﺎﻧﻮن إﻟﻰ اﻟﺘﺤﻜﯿﻢ اﻟﺬي ﻳﺘﻔﻖ ﻋﻠﯿﻪ طﺮﻓﺎ اﻟﻨﺰاع  ﺑﺈرادﺗﮭﻤﺎ اﻟﺤﺮة ﺳﻮاء أﻛﺎﻧﺖ اﻟﺠﮭﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺘﻮﻟﻰ إﺟﺮاءات اﻟﺘﺤﻜﯿﻢ ﺑﻤﻘﺘﻀﻰ اﺗﻔﺎق اﻟﻄﺮﻓﯿﻦ أو منظمة أو مركز دائم بالتحكيم أو لم تكن كذلك، كما نصَّ على أنه ﺗﺴﺮي أﺣﻜﺎم  اﻟﻘﺎﻧﻮن ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺗﺤﻜﯿﻢ ﻳﺠﺮي ﻓﻲ اﻟﺴﻠﻄﻨﺔ أو ﻳﺠﺮي ﻓﻲ اﻟﺨﺎرج اﺗﻔﻖ أطﺮاﻓﻪ ﻋﻠﻰ إﺧﻀﺎﻋﻪ ﻷﺣﻜﺎم ھﺬا اﻟﻘﺎﻧﻮن.

و يتم اختيار المحكمين وفق المواصفات التي قد تكون مذكورة في العقد أو في اتفاق لاحق، أي أنه قد يشترط أن يكون المحكم من أصحاب تخصصات فنية معينة سواء كانت هندسية أو مالية أو غير ذلك، ممن لا ينتمون إلى العمل القانوني بصلة وقد يكون منهم، وينتهي التحكيم إلى قرار تحكيمي نافذ لا يخضع لرقابة أي سلطة أخرى، أي أنَّ حكم هيئة التحكيم نهائي بات ولا يجوز الطعن عليه بالطرق المعتادة للطعن في الأحكام، إلا في حالات نص عليها القانون يجوز معها رفع دعوى أمام المحكمة المختصة للمطالبة ببطلان الحكم، وقد حدد قانون التحكيم العماني في المادة (53) منه حالات البطلان على سبيل الحصر، ومنها في حال استبعاد التحكيم القانون المتفق على تطبيقه على النزاع أو إذا فصل حكم التحكيم فى مسائل خارجة عن اتفاق التحكيم أو جاوز حدود الاتفاق.

تعليق عبر الفيس بوك