تحصن

 

جيهان رافع

بعيدًا عن شرَك الأحداث الخارجية، نُحاول أن نترجم شغفنا للنجاة بالكلمات فقط، وأحيانًا تعرش آمالنا على جدران صمتنا، لكن لو حولنا الكلام إلى أفعال والأفعال توجهنا للسلام حينها سنجد ضالتنا، وننجو من مصيدة التهويلات والتوتر والقلق الذي بات يحفّنا من كل الجهات، وربما نستطيع بكثرة السعي أن نصل إلى ما يوجهنا لتحصينٍ ولو بسيط.

عندما تريد صناعة السلام الداخلي عليك بالاستماع إلى قلبك ومن ثمَّ عقلك، عليك باتجاهٍ واحدٍ نحو المحبة، فالمحبة دواء لكل وقت وتحصين من كل ضيقٍ معيشيّ أو جسدي أو روحي، لا بديل له، كلما زرعت بذور المحبة في أرض قلبك للآخرين، كلما حصدت سنابل السلام الداخلي وجعل الله لك منها تيسيرًا لكل عسيرٍ وزادًا تُطعم منه الأجيال فتحصل على انشراحٍ في صدر أيامك المختنقة أحيانًا، فلن تدوم عليك ضائقة ولن تُحجب عنك مساندة أو مساعدة سيهبك الله خيرًا يشبه الخير الذي صنعته يومًا فلا تسمح للآخرين أن يدمروا ما صنعه السلام الداخلي بك وما تسعى لصناعته من خلال الخير الموجود فيك.       

نعم بتنا نحتاج إلى التحصين الذاتي، الذي يجعلنا نفكر مليًّا بطريقة تحمينا من فوضى مشاعرنا المكبوتة في أعماق جهودنا للحصول على سلامٍ داخلي يكون لنا ميناء ترسو عليه بواخر حمولة أفكارنا التائهة والمرهقة، تحمينا ممن حولنا ومن تصرفاتهم التي تنم عن فوضى داخلية لكنها معلنة على شكل أعاصيرٍ تجعل كل شيء ليس بمكانه الصحيح وتدور حول نفسها مدمرة كل من يعترض طريقها، ولا شكّ أنها ستدمر أصحابها يومًا ما، إذا لم يدركوا أن استمرارهم في أذية غيرهم سيُدمرهم هم أيضًا.

قال أحدهم: "السلام هو نتيجة لإعادة تدريب عقلك على التعامل مع الحياة كما هي، وليس كما تظن أنها يجب أن تكون".

قرأت نصًا أدبيًا وسأضع ملخصه بين أيديكم لشدة ما يحمل من معانٍ جميلة وما يتركه آباؤنا والناس الذين يمدون يد العون لنا من أثرٍ بالغ الأهمية.

"يحكى أنّه في كل عام كان والدا طفل يأخذانه إلى بيت جدته بواسطة القطار ويتركانه هناك حتى تنتهي عطلة الصيف ثم يعودان ليرافقاه إلى المنزل وفي عام من الأعوام قال الطفل لوالديه: لقد أصبحت في سن الحادية عشرة من عمري وأنا أفضل أن أذهب لوحدي أما آن الأوان؟، وافق الوالدان بعد نقاشٍ قصير عندما رأيا أنَّ الطفل يريد أن يشعر بالتحرر من قلقهما عليه، وقبل أن ينطلق القطار بلحظات، اقترب الأب من ابنه ووضع ورقة في جيبه وقال له: لا تفتح هذه الورقة إلّا إذا شعرت بالخوف وانتابك القلق.

وفي القطار جلس وحيدًا هذه المرة يُراقب الأشجار والمناظر الطبيعية على الطريق وبعد أن ابتعد القطار عن مدينته وشعر بضجيج الغرباء من حوله شعر بالخوف والقلق وتذكر الورقة أخذها من جيبه بيدٍ مرتجفة، فتحها وقرأ فيها: " يا ولدي أنا في المقصورة الأخيرة من القطار".