براءة "أبطال السوشيال ميديا"؟!

 

ناجي بن جمعة البلوشي

 

سأتخذ هنا طريقاً ومسلكاً مُغايرًا عما كتبه غيري من قبل في هذا الخصوص، دون الميل إلى العاطفة أو الزخم المصاحب لها، وهذا لما ساقني قراري في هذا الشأن للاحتكام للعقل والمنطق دون النظر في ما يتعلق بغيرها من أسباب.

فالقرف والسخف والانحطاط الأخلاقي كله كان متواجداً فيما قدمه أولئك النفر من الناس على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، والتي تعج كعادتها بملايين المتابعين، مما تسبب في وضع المجتمع العماني في حالة استياء حادة بما لا يغفر لمن ارتكب ذلك الجرم المشهود بأي وسائل الرأفة والغفران الإنساني. وعلى إثرها تعالت أصوات المنادين والمنددين بما يفعل ويفتعل في مجتمع عرف عن تركيبة أهله المحافظ سُّمو الأخلاق وكرامة التهذيب، بل تربى على الإرث الأخلاقي العظيم الممتد معه على مدى حضارة تقدر بآلاف السنين.

وعلى الجانب الآخر وربما لأسباب اجتماعية بقصد الشهرة والحصول على المراتب الاجتماعية في العالم الافتراضي قدم أولئك الأبطال (كما يعرفون في أوساطهم) كل تلك التنازلات الإنسانية حيث لم يجدوا في العالم الحقيقي موطئ قدم لهم، فقاموا بكل تلك التفاصيل التي يعرفها المتابعون لهم في كل خطوة وخطوة مشجعين لهم ومصفقين حتى غدوا إلى أعلى سلالم بلوغ الشهرة، وكانوا في كل مرة يتقدمون فيها إلى الأمام يجدون الكثيرين ممن يتابعهم إن كان حال المتابع لهم للاطلاع على الأحداث أو للانتقاد أو للنشر والتوزيع أو غيرها من المهام التي يقوم بها أولئك المتابعون، لكنهم في كل الأحوال يزدادون في كل يوم وساعة ولحظة، هذا ما أدى إلى شهرة أولئك الأبطال في تلك القنوات المغلقة على أنفسهم والمفتوحة على العالم، فالشهرة لا تأتي بين يوم وليلة بل بالاستمرارية ولمدة طويلة من الزمن.

وإذ إننا قدمنا بعضاً مما وصفناه عن مسيرة أولئك الأبطال فهنا نتوقف لنسأل أنفسنا عن الجاني الحقيقي والمسؤول الأول عن تلك الأحداث كلها والذي لم يحصل على العقاب بعد حتى لحظتنا هذه فنقول هل هم المتابعون أم أبطال السوشيال ميديا؟

فإذا كان أبطال السوشيال ميديا قاموا بفعل كل مخل بالأداب والحياء الاجتماعي والمجتمعي فهذا لاجدال فيه لكنهم قاموا بكل هذا داخل حساباتهم الشخصية والخاصة وبذلك فإنها لم تخرج عن إطار الخصوصية في كونها لازالت في حساباتهم الخاصة.

لكن المتابعين هم من قام بنقلها من حسابات أولئك الأبطال إلى حساباتهم الشخصية وحسابات غيرهم وإلى المجتمع والأفراد كلهم بقصد أو بغير قصد، وبذلك فإنَّ المذنب الحقيقي هم المتابعون الذين تناقلوا كل تلك الصور والأصوات والأفلام ونقلوها إلى المجتمع برمته فإن كان هناك عقاب فالأولى به أن يكون لأولئك المتابعين.

ولأن الشيء بالشيء يُذكر فإني هنا أتساءل عن التجمهر الافتراضي عبر الهاشتاجات (الوسوم الأكثر تداولا) لما لا يُعاقب مفتعلوه على الرغم من أن التجمهر الواقعي يُعاقب مفتعلوه بنص من قانون الجزاء العماني؛ فالمادة (121) عاقبت بالسجن مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، ولا تزيد على سنة، وبغرامة لا تقل عن مائة ريال عماني، ولا تزيد على خمسمائة ريال عماني، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من اشترك في مكان عام بتجمهر مؤلف من (10) أشخاص فأكثر، وكان من شأن ذلك الإخلال بالأمن أو النظام العام، أو إذا بقي متجمهراً بعد صدور أمر بالتفرق أو الانصراف من السلطات المختصة.

وهناك مواد تحمل أرقام (123) و(124) من ذات القانون يمكن للمختصين التحقق منها في شأن التمجهر الحقيقي وهي ربما مشابهة لحالات التجمهر الافتراضي، فكل ما في الأمر أن هذه في الواقع وتلك في الواقع الافتراضي، لكنها تحمل نفس المبادئ والغايات والمقصود.

حفظ الله عُمان وأبناءها لما فيه الخير بقيادة مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- نصره الله-.