المفتاح في مسقط

 

علي بن سالم كفيتان

لوَّحت الإدارة الأمريكية الجديدة بتصفية خلافات المنطقة، خاصة ملف إيران النووي وحرب اليمن، وفي سبيل ذلك تلقَّت مسقط إشادة مُتوقعة من الخارجية الأمريكية حول تعاونها السابق لفك شيفرة هذه الأزمات، وأصبحتْ العاصمة العُمانية محجَّ وزراء دول مجلس التعاون خلال الأسابيع الماضية، مع اتصال رفيع المستوى من أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي الجديد، بمعالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية، الذي يخُوض جولة مهمة من الحوار الإقليمي والدولي مع مختلف الفرقاء، ويسود توقع بأنَّ مسقط ستلعب دورها مُجدَّدا في نزع فتيل تلك الأزمات؛ كونها تتمتع باحترام جميع الأطراف وثقة الولايات المتحدة الأمريكية.

هذا بلا شك يوفِّر مساحة جديدة من الأمل لوأد الخلافات التي عصفت بمنطقة الخليج، وأدت لتراجع الوضع الاقتصادي والسياسي في آن، وألقت بظلالها على الجانب الاجتماعي من حيث تراجع مستوى التطور والرفاه في الخليج؛ فالعاصمة العُمانية مسقط تقود قاطرة الصلح وإغلاق الجروح المفتوحة، فهل سيُكتب لها النجاح؟!

ويتَّفق جميع المتابعين والمهتمين بالشأن الإيراني على أنَّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية مارست ضغوطًا كبيرة عبر سياستها الناعمة والخشنة أحياناً، وهذا يعد نجاحا لافتا، بغضِّ النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع الوسائل التي استخدمتها ومدى مشروعتها؛ فالسياسة كما قالوا هي فن الممكن، ولا شكَّ أن الوجود الإيراني في الشرق الأوسط لا يُمكن تجاهله عندما تناقش قضايا المنطقة، في ظل تراجع واضح للنفوذ العربي، بعد أن تَنَازل عن ثوابته السياسية القديمة؛ فسقوط بغداد كان مدويا وتغلغُل المنظمات الإرهابية في الشام كان خطيراً، والأمر ذاته في اليمن وليبيا، فقد انشغلت هذه الدول بأوضاعها الداخلية وخاضت صراعات فُرضت عليها، أو تمَّ جرها إليها، ولم تحقِّق منها النتائج المرجوة؛ لذلك باتت مراجعة الحسابات أمرًا حتميًّا، والاستماع للطرح الإيراني لم يعد خيارًا؛ بل ضرورة وجب التعامل معها بذكاء وحيادية. ولا يجب إغفال تصاعُد أسهم السياسة التركية المتنامية في الشرق الأوسط، وأصابعها الناعمة التي رسمت الصورة المثالية للدولة النزيهة من حيث البناء الاقتصادي والسياسي مع الاحتفاظ بالهُوية الإسلامية؛ لهذا زار وزير الخارجية التركي مسقط ونقل إعجابه بسياسة السلطنة الهادئة، ودورها الإيجابي والنزيه في منطقة تتجاذبها الأطماع من كل حدب وصوب.

سَبَق لي وأشرت إلى عدم تغيُّر السياسة الأمريكية تجاه الخليج مهما اختلفت الوجوه التي تحكم البيت الأبيض، في مقال تحت عنوان "بين جفاف الضرع ورحيل الحلاب"، وأنَّ الحزب الديمقراطي يمارس الابتزاز السياسي نفسه، لكن بوجه أكثر نعومة وتحت مظلات شتى؛ أبرزها ملف حقوق الإنسان؛ لذلك نرى اليوم موقفاً جديدا من إدارة الرئيس جو بايدن مع المملكة العربية السعودية تحت هذا البند، متناسية ما فعلته إداراتها المتعاقبة من كوارث في عدة دول؛ مثل: فيتنام وأفغانستان والعراق والصومال... وغيرها. هنا يتجلى لنا الوجه الأمريكي الذي يوظّف كل الأدوات لجلب المزيد من الأموال للخزينة الأمريكية. وبطبيعة الحال، لا أحد يبرر القتل المروع للصحفي جمال خاشقجي، والحكومة السعودية عبَّرت عن أسفها لهذا الحادث الأليم، وعملت على مُحاكمة المتهمين وإصدار أحكام رادعة لمن تمت إدانتهم في هذه القضية التي هزت العالم وتصدرت نشرات الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي، ورسمت لها سيناريوهات مروعة من قبل دول وكيانات ترغب في النيل من كيان الدولة السعودية، وزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة.

خلال الأربعة أعوام الماضية، لم تقدِّم السلطنة نفسها كوسيط بل كمفتاح للحل، وفي ظلِّ عدم نضوج الموقف السياسي لدى بعض الدول واختلاق الكثير من الأزمات، ظل المفتاح على الرف؛ فتعامُل السلطنة كان مثاليا مع الفرقاء اليمنيين؛ حيث فتحت كل أبوابها لهم، وسهَّلت نقل المصابين للعلاج، والطلاب لاستكمال دراستهم، والأسر للسفر للخارج، ومثلت الظهير الأمني والاقتصادي الموثوق لكل اليمنيين. فالسلطنة تؤمن بأهمية استقرار اليمن السعيد كجزء أساسي من أمنها وأمن المنطقة برمتها، وفي الوقت ذاته لم تدخل في عداء مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ بل جاهدتْ لتخفيف وطأة الضغوط الاقتصادية عليها وعلى شعبها، والسعي لفرض سلمية الملف النووي الإيراني وإخضاعه للمراقبة الدولية، مع احتفاظ إيران بحقها المشروع في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية.

فهل سيعُم السلام من بوابة مسقط؟ هذا ما نأمله خلال المرحلة المقبلة.