قناعات

 

ناجي بن جمعة البلوشي

كُن كما أنت، فلن يغيرك شيء لم تقتنع به من داخلك، لكن اعلم أن هناك شيئًا ما قد يقنعك فيغيرك، حتى وإن كانت هذه القناعة أتت بكذبة من تأليفك؛ لذا فالأغنياء بما يملكون من أموال هم غير مُقتنعين بسعادة امتلاكهم للأموال، فتجدهم في بحث دائم ومستمر عن السعادة بأموالهم. أما الفقراء بما يملكون من سعادة الأحلام فغير مُقتنعين بأنهم يملكون السعادة من مجرد أحلامهم، فتجدهم في بحث دائم ومستمر عن الأموال من أجل السعادة.

إذا أردت أن تنتقد الآخرين، فلا تكن حريصا على أنْ لا ينتقدك أحد، فانتقادك للآخرين مع حرصك كافٍ لمعرفة خبايا ضعفك مقابل انتقاد الآخرين لك؛ لذا فالمنتقدون الحريصون على منع انتقادهم من الآخرين لا يصلون إلى أعلى مراتب التقدير كما يصلها من تمَّ انتقادهم بدون حرص منهم؛ لأنهم بكل صراحة سُرعان ما يستجيبون للانتقادات فيتعلمون من أخطائهم.

إذا هممت بإيهام الآخرين بأي شيء من أوهام مخيلاتك، فتذكر أنك غير قادر على تحمل من قد يُوهمك بأوهام مخيلاته؛ لذا تجد الكثيرين ممن يوهمون الناس بأمراضهم غير قادرين على تحمل أي نوع من أنواع الأوهام من الطبيب أو أي شخص عند تشخيص مرضهم.

إذا رغبت في الشهرة، فاحصل عليها من حسابك لا على حساب الآخرين لأنك لن ترضى مطلقا أن تجعل الآخرين مشهورين على حسابك؛ لذا فالمشهورون يعرفون بأفعالهم أمام الآخرين لا بأفعالهم لما انتقصوه من الآخرين.

إذا أردت بلوغ مرادك؛ فلا تلعب أبدا على وتر العاطفة عند طلبك للمساعدة في بلوغها؛ كي لا تنسى فتسمي الأشياء بأسماء وأوصاف مقرفة فتصبح فيها شريكا؛ لذا إذا سميت القروض بالربوية فلا تنسى أنك الطرف المكمل والشريك فيها، كما لو وصفت الخائنين والسارقين واللصوص بأوصافهم الدقيقة فاعلم أنك منهم بدعوى لا معرفة إلا بتجربة.

إذا أردت بلوغ القناعة فسمِّ كلَّ ما هو غير مقبول في قاموسك بأسماء قريبة من قناعتك بها، لأنه لن ينقصك من تسميتها بذلك سوى أنك استقنعت بها؛ لذا سمِّ الوظيفة الأولى المعروضة عليك باسمٍ مُقنع لك كبداية المشوار أو الطريق إلى القمة أو التجربة الأولى.

إذا ألممت بشيء من ظروف الحياة، فاعلم أنك قد بدأت التعرف على ما يحيط بجوانب حياتك، لكنه ليس سوى السلم الأول في مشوار عمرك الباقي؛ لذا إذا استمعت لأحدهم وهو يقول مقولة "الحياة كفاح" فافصل الكلمتين عن بعضيهما لتكون الحياة هي التعرف على الظروف المحيطة بجوانب حياتك. أما الكفاح فهو التغلب عليها في كل مراحل العمر.

التفكيرُ السلبيُّ هو "الاستقناع" بأنَّ كل شيء يسير على نحو بعيد عن مصالحك، أما التفكير الإيجابي فهو قُدرتك على تغيير كل شيء ليسير في صالحك بمجرد "الاستقناع"؛ لذا فإنَّ "استقناعك" بأن الصحراء مكان غير صالح للعيش يختلف هو وما عند البدوي فقدرته على تغير تلك الصحراء إلى أفضل مكان صالح لعيشه صار فقط من مجرد قناعته بها.

الإيمان بالله هو القناعة التامة المطلقة. أما القناعة بغير الإيمان به فهي قناعة متذبذبة مترددة؛ لذا تجد المؤمنين بالله مُقتنعين بكل شيء وأي شيء خيرًا كان أم شرًّا؛ لأنهم على يقين بأنَّ عذاب الله تعالى يُنهي الأمم إلى الأبد، أما رحمته فوسعت كل شيء، بينما غيرهم يضعون القناعات في كل شيء حسب نوع الاقتناع؛ فالخير من العلم أما الشر فمن الصُّدف، والطبيعة قادرة على الغضب، لكنها غير قادرة على كبح الغضب، فتجد الإنسان الضعيف قادرًا على وقف غضبها عند حده.