بين براءة الطفولة ومتلازمة الشُّهرة

ريان الحاتمية

لعلكم عندما قرأتم عنوان المقال، تساءلتم: هل يعيش بعض أطفالنا اليوم طفولتهم كما وصفها الشاعر أبو القاسم الشابي حين قال: "أيام لم نعرف من الدنيا... سوى مرح السرور"؟

ليس عجبًا أن نرى أطفالنا يعيشون في كنف والديهم معززين مكرمين ويتحمل كلا الوالدين مسؤولية الطفل، العجب أن نرى الطفولة التي نعرفها دائما بصفحتها البيضاء قد تلوثت اليوم بصفحات مواقع التواصل الاجتماعي، مقاطع كثيرة تُظهر لنا أطفالاً في عمر الزهور، يواجهون ضغوطات كبيرة رغم صغر سنهم رغم براءة ملامح وجوههم، حيث ينقل هؤلاء الأطفال مشاعرهم وأدق تفاصيل حياتهم وهم تحت الضغط، والإذعان أحياناً، ممن يفرض عليهم أقوالاً أو سلوكاً معيناً، وتشتيت أولوياتهم في النظر إلى الحياة على أنها معارف قبل أن تكون مهارات، وكل ذلك للبحث عن الشهرة، وزيادة عدد المتابعين لحساباتهم، وتحقيق العوائد الإعلانية والمكاسب المادية. بعضهم قد يُعلِّل ذلك بأنه مساهمة في تطوير مهارات الطفل وإكسابه الثقة بالنفس، أنا أتفهم أن يقوم الوالدان أو أحدهما بتشجيع ظهور ابنه أو ابنته وإبرازه وتحفيز مواهبه في مثل هذه السن المبكرة من أجل أهداف سامية ورؤية مستقبلية مدروسة وهذا أمر لا غبار عليه لكن الآثار السلبية التي يُمكن أن تنجم عن الشهرة التي يحققها الطفل كثيرة مقارنة بالإيجابيات. في الآونة الأخيرة رأيت أن معظم من يدفع أبناءه للشهرة يكون هدفه الأساسي الناحية المادية للأسف، مستغلا بذلك الطفل.

اليوم.. قد أضع الآباء والأمهات أمام سؤال وجيه، ما مدى إدراكهم لما يجري لأطفالهم؟ فإن كان الآباء عاجزين عن إدراك هذا فهل ثمة إمكانية لإيجاد قانون يحمي الأطفال من تصرفات الآباء الساعية لشهرة أبنائهم عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، دون إعطاء الأبناء حرية الاختيار؟ أم أنَّ هذا السؤال يعد ضربا من المبالغة التي لا يجدر تضخيم تبعاتها وانعكاساتها؟

وكما قال رسولنا الكريم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"؛ فمسؤولية هؤلاء الأبناء تقع على والديهم فهم أول المحاسبين؛ باعتبارهم المسؤولين عنهم لأن الشهرة من خلال برامج التواصل الاجتماعي تعرض الطفل للمنافسة المرهقة له بسبب ظهور المنافسين كل يوم على هذه المواقع، وتجعله عُرضة لجميع أشكال التعليق والسخرية والنقد، الذي قد لا يحتمله الطفل ولا يدرك معناه.

فالسعي لشُهرة الطفل بأي ثمن أصبح متلازمة وأنانية غاية في القبح، هنالك عبارة قالتها أوبرا وينفري وكررتها ألف مرة، وها أنا أكتبها مرة أخرى: "ليس هناك عمل أهم من أن يكون المرء والداً صالحاً مطلقاً لأبنائه"، وأختم مقالي هذا بقول أبراهام لنكولن: "قُد سيارتك بالطريقة التي تريد أن ترى أبناءك يقودون بها".

تعليق عبر الفيس بوك