البحث عن الروح

مدرين المكتومية

يولد الإنسان على هذه الأرض فيما لا يتوقف عن البحث عن أهدافه، سواء أدرك ذلك أم لم يدرك، وواحد من أبرز هذه الأهداف "الجَمال"! فالبحث عن الجمال قيمة في حد ذاته، وغاية نبيلة يسعى لبلوغها الكثيرون، لكن قليل من يُدركون المعنى الحقيقي للجمال؛ فهناك من يرى الجمال في فتاة بملامح آسرة، أو شاب وسيم، أو حتى منظر طبيعي يُمتِّع به عينيه، لكن الجمال الذي أتحدث عنه هو جمال الروح، جمال الصداقة، جمال علاقاتنا مع البشر، بكل حب وتقدير وود.

ويواصل كل فرد فينا سعيه وبحثه عن أمر ما طيلة حياته، ربما يجده، وربما لا يجده، لكن المؤكد أنه لا يمل ولا يتوقف عن البحث! هناك من يبحث عن لقاء حبيب، أو عودة ذكريات دافئة بين أحضان الأحبة، أو التطلع في وجوه الآخرين بينما هو يحتسي فنجان قهوة باردة أو حتى ساخنة، فيُمعن النظر في المارة. قد يجد المرء هذا الجمال الذي يبحث عنه في قصيدة غزلية قديمة، وربما في حكاية يسمعها لأول مرة، أو في قصة حب لا مثيل لها كتلك التي نقرأها في الأساطير!

لكن ما هذا الجمال؟ وكيف لنا أن نعرف الجمال؟ وكيف نجد إجابة لهذا السؤال الذي سكن عقول الكثير من الفلاسفة والشعراء والمفكرين في تعريف الجمال؟!

"إن الله جميل يحب الجمال".. من هنا كانت البداية، فما الذي يمنعنا عن البحث عن كل جميل، وأن نقدر الجمال والأناقة، فكلنا نحتاج لذلك، لكن كل منا له مفاهيمه الخاصة ومقاييسه الذاتية في ذلك، فما أراه جميلا قد يراه غيري عكس ذلك، ومن يستمتع بمكان، قد يجده الآخر غير ممتع... وهكذا هي الحياة؛ هناك أمور نعتقد أنها جميلة، لكنها في حقيقتها جميلة بنا ولنا فقط، وجميلة بقدر ما نحبها نحن، وبقدر ما نراها عليه، لكنها لا تمثل أي جمال لشخص آخر!

الجمال لفظة مُحيِّرة للغاية، إنها شعور غريب في كثير من الأحيان؛ لأنه لا يعتمد على الشكل ولا الإطار الخارجي، وإنما هناك أشياء تكمُن في العمق، شيء جميل نجهله، شيء لا يُمكن استيعابه، فمرة نرى الجمال في أمور مادية، ومرات كثيرة في أمور معنوية، وفي أكثر الأحيان نراها في دواخلنا في لحظة ما، وتلك "اللحظة" لا تعني الصدفة، وإنما تلك الحالة الشعورية التي تنتابنا فجأة دون مُقدِّمات، تلك المشاعر التي نعيشها، ذلك الإبحار الزمني نحو اللا معقول اللا نهائي، فنشعر بالجمال.

إذا ما أردنا أن نتحدث عن الجمال بمفاهيمنا الخاصة -أو على الأقل بمفهومي أنا- فالأمر مرتبط بـ"اللحظة" وبالحالة الشعورية لما نحن عليه، بتلك الأقدار التي نعيشها، بما يختلجنا من عواطف، فنشعر ساعتها أنَّ كل شيء على وجه الكرة الأرضية بات جميلا، ليس لأنه جميل في حد ذاته، ولكن لأننا نتمتع بالجمال في تلك الدقيقة والثانية من عمر الساعة التي نعيشها.

هذا يعني بكل بساطة أننا محاطون بالجمال، لكن دواخلنا لا تراه، نظل نبحث عنه بشكل دائم دون توقف، وبمجرد أن نحصل عليه نشعر بالامتنان الكبير، امتنان للحظة ما، أو مكان راودتنا فيه مشاعر مختلفة، أو لشخص جمعتنا به الأقدار بعد أن توقفنا عن البحث عنه، ولربما لطريق طويل أوصلنا لنهاية جميلة لم نكن نعلمها، فقط علينا أن نحرص على اقتناص لحظة الجمال وعدم تفويت الفرصة.. فالعمر لحظة!