متصل الآن؟!

 

رحمة بنت منصور الحارثية

أخصائية نفسية 

 

 

"متصل الآن".. هذه الخاصية تمَّ إنشاؤها حالها حال التطبيقات والتحسينات التي طرأت على الهواتف الذكية لتقدم خدمة تسهل على مستخدميها. إلا أنها ساهمت بشكل أو بآخر في انبثاق ظاهرة أثرت سلبًا على بعض المجتمعات.

"متصل الآن" عبارة في بداياتها كانت قفزة في عالم تكنولوجيا الهواتف الذكية. جعلت كثير من النَّاس تتفقد أوقات أشخاص ممن تربطهم علاقات أو أعمال. بحيث يعرفون توقيت التواصل بينهم أو هل وصلتهم رسالة مهمة تتطلب سرعة الرد لظرف مُعين وهكذا. بداياتها كانت هكذا تنصب في بوتقة واحدة ألا وهي التأكد فقط.

"متصل الآن".. رغم أنها أداة للفائدة إلا أنها صارت معول هدم.عبارة ساهمت في تأثر العلاقات الاجتماعية وخلفت وراءها أزمات نفسية كثيرة. كثير من العلاقات طالها التمزق وسوء الظن. كلما كان المُتصل (متصل الآن!؟) ولم يرد زاد من التوتر وتأجج المشاعر وكثرت التأويلات. زادت الظنون والشكوك بين الأفراد سواءً من العائلة أو الأصدقاء والجيران والمعارف وطالت حتى التعاملات . وصلت الأزمة بين الأزواج مما أدى إلى الطلاق. تأثر نسيج العلاقات المتين بين أفراد المجتمع وتزعزعت الثقة السائدة بينهم.

"متصل الآن" لا تعني البتة أنَّ الشخص يتجاهلك، يتكلم مع أحد أكثر أهمية منك، لا يُريد أن يرد عليك، وغيرها من التخمينات.

"متصل الآن".. قد يكون غير مُستعد نفسيًا للرد تلك اللحظة، منشغل بشيء ما، يتصفح شيء مهم، يمسح صور أو رسائل ازدحم بها هاتفه ليخفف ضغط مساحة الهاتف، يتراسل مع شخص بموضوع عاجل وأجل الرد عليك، متواصل مع طبيبه، مع معلم ابنه، هاتفه في يد ابنه الصغير، انضغط سهوًا منه وانفتح على رسالتك ولم يقرأها بعد وغيرها من الأسباب.

"متصل الآن".. نستفيد منها كخدمة هاتفية وأن نلتمس العذر بحسن نية. كما لدينا خصوصية أيضاً للآخر خصوصيته. كما ننشغل أيضاً الآخر سيكون منشغلا مثلنا. نحسن الظنون بالآخرين. لتبقى علاقاتنا متينة كما كانت لا تشوبها شائبة.

العالم في تقدم سريع وتسهيلات تضاف في أجهزة الهواتف يوماً بعد آخر. فلنحمد الله على كل تلك التساهيل التي يقف خلفها ناس تصنع وتبتكر ولا تدخر جهدًا لإضافة الجديد والحديث ليواكب عصر التكنولوجيا. نأخذ منها قدر احتياجنا بحيث لا تؤثر على علاقاتنا ونفسياتنا وأن نحسن الظن بالآخرين ونلتمس لهم الأعذار كما نود أن يلتمسوا لنا الأعذار.

تعليق عبر الفيس بوك