هيكلة القطاع العسكري والأمني.. مطلب أم ضرورة؟!

علي بن سالم كفيتان

قبل الدخول في موضوع مقال هذا الأسبوع رأيت من الأهمية بمكان التعريج على تقرير دولي حول حقوق التعبير عن الرأي في العالم ووجدت بعض الملاحظات عن بلادي للعام المنصرم 2020 ولفت نظري الإشارة للتضييق على صُدور الصحف الحُرة وحُرية التعبير عن الرأي وغيرها من الملاحظات والاستشهادات غير الدقيقة صحيح أن الصورة ليست وردية بالكامل لكننا نرى من زاوية الكُتاب أنَّ الأقلام لها مساحة جيدة بشرط أن تكون منضبطة وتهدف للتصحيح وليس التشهير.

ونعتقد جازمين أنَّ العهد المتجدد بقيادة مولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- أتاح المزيد من المساحة للتعبير عن الرأي وتبقى هنا إشارة هامة لعدم استيعاب الإعلام الرسمي التقليدي للتغيير والسير بالاتجاه المغاير أحيانًا؛ ففرض المزيد من القيود والاشتراطات غير المنطقية على الصحف والإذاعات الإلكترونية رسم صورة قاتمة لما يمكن تسميته بحرية التعبير؛ فلا يمكن إسقاط قانون صدر منذ 1984 على الوضع الجديد؛ بل يجب أن يكون السعي حثيثاً لاستصدار قانون للمطبوعات والنشر يستوعب أدوات وأوعية الإعلام الجديد ويمنح مساحات شاسعة من التعبير، وإلى ذلك الحين يتم تقبل الوضع الراهن والتعايش معه وليس السعي لتكبيله برداء القانون القديم مما يتيح لمثل هذه المنظمات مادة دسمة تستخدمها في تقاريرها السنوية.

إن تحديث الهيكلة الذي تبناه العهد الجديد يجب أن يطال كل القطاعات دون استثناء وأن ينعكس بصورة إيجابية على الأداء الحكومي، وفي هذا الصدد صدرت مؤخراً بعض المراسيم التي طالت قيادات من الصف الثاني في الأجهزة العسكرية والأمنية، وقد أعتبر البعض أنها الخطوة الأولى لإعادة هيكلة القطاع العسكري والأمني في البلاد. صحيح أنَّ المؤسسة العسكرية والأمنية تعتبر الأكثر حيوية والأكثر حساسية في ذات الوقت، لكن العقيدة التي كان عليها جلالة السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- والظروف التي كانت سائدة في بداية عهده- رحمه الله- كانت تحتم اتباع نهج عسكري وأمني صارم، وهو ما حدث بالفعل حتى زوال الخطر المحدق بكينونة الدولة العُمانية، لكن هذا الهاجس ظل حاكماً حتى أن الشعب اليوم أصبح يحمل الهوية العسكرية؛ فلا احتفال إلا بالبزة واستعراض الطوابير، ورُبطت هذه البروتكولات بهوية الناس لدرجة أن أصبح قبولهم للتغيير بطيئاً فما يقوم عليه عهد جلالة السلطان هيثم- أيده الله- هو إرساء مبادئ الدولة المدنية وتصحيح مسارات الاقتصاد الوطني، بحيث يتم توجيه إيرادات الدولة لخدمة الأولويات الملحة، في الوقت الذي لا يجب أن يقلل فيه أحد من أهمية الصرف بسخاء على القطاعات الهامة وعلى رأسها العسكري والأمني، لكن يجب إلا يستحوذ على نسب تصل أحياناً إلى ثلت الدخل الوطني في الوقت الذي ننادي فيه بأهمية التغيير والتحديث في جميع مناحي الدولة ويتم الضغط بقسوة على قطاعات أخرى لم تعد تحتمل الضغط.

أظهر جلالة السُّلطان- أيده الله- إيمانه العميق بأهمية التفويض فكثير من الوزارات والأجهزة التي كانت تسمى بالسيادية سابقاً وكانت مربوطة مباشرة بجلالة السلطان مُنحت اليوم التفويض الكامل، وهذا يمنحنا المزيد من الاطمئنان بأنَّ السلطان رجل يؤمن بالتفويض وهو ما كان يتعلل به الوزراء في الحكومة السابقة وهذا بدوره يقود للمساءلة؛ فالتفويض يمنح المساءلة مساحة أكبر، ويغلق باب التستر خلف إدارة الرجل الواحد، ولذلك نرى من الأهمية بمكان الدفع بالنهج المدني للدولة، ونتوقع أن يطال القطاع العسكري والأمني المزيد من إعادة التموضع في ظل المستجدات فالبعض يتحدث عن ضرورة انتقال الأمن العام لوزارة الداخلية؛ وهو نهج سائد في جميع دول المنطقة والعالم، ودمج بعض التشكيلات المتشابهة في المهام والواجبات والنظر لأهمية التحديث التقني على حساب التوسع التقليدي ولا شك أنّ هذا الأمر قد بدأ لكنه يجب أن يستمر.

في حين يرى البعض أهمية إعادة التفاوض على الاتفاقيات الأمنية طويلة المدى مع الأصدقاء وتقييم مدى جدواها في ظل الميزات النسبية التي تتمتع بها السلطنة؛ كالمناخ الآمن وحصدها للدرجة صفر في مؤشر الإرهاب الدولي والعلاقات السياسية السلمية والمتزنة مع الأشقاء والأصدقاء، فبلادنا وبحمد الله ليس لديها جبهات مفتوحة، وهذا ما يدفع باتجاه سلمية الدولة؛ أي إعادة توجيه الأموال للبناء والتعمير وتحسين مستوى الرفاه الاجتماعي خلال المرحلة المقبلة. ويعتقد الكثيرون أنه وبعد مرور 50 عاماً لسنا بحاجة لنقاط تفتيش عسكرية بين الولايات والمحافظات إلا في الحالات الطارئة فقط. وحفظ الله بلادي.