باحثون عن أمل.. وعمل!

 

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

 

مئات وربما آلاف الكفاءات الشابة المُعطّلة تتكدّس في المنازل، تنظر بقلق إلى مُستقبلها الذي يذهب هدرا من بين يديها ومن خلفها، والعمر يمضي كما البرق، والحال كما هو لا يُغيّر ولا يتغيَّر، أنهى كثير منهم دراسته منذ سنوات، كان يحلم خلالها بوظيفة تعينه على متطلبات الحياة، ويبني بها مستقبله ويرفع من شأن وطنه، غير أنَّ الأيام والسنوات مرَّت وهم ما زالوا ينظرون إلى السقف المتهاوي فوق رؤوسهم، وقد عشعشت عليه العناكب، وينظر بحسرة إلى العمر الذي يمر سريعاً دون بيت، أو زوجة، أو سيارة، أو حلم أو مستقبل، ودون أن يعبأ به أحد، بينما يرى أبناء كبار المسؤولين لا يُعانون من مشكلة البحث عن عمل، لأنَّ وظيفتهم مضمونة مقدمًا.

هذه الطاقات المُعطلة والمهدرة هم أبناء هذا الوطن العزيز، والذين كانوا ضحية المُماطلة بين الحكومة والقطاع الخاص، كل فريق يرمي الكرة في ملعب الآخر، ويُحمّله مسؤولية توظيفهم، وتعيينهم، وكرة الثلج تكبر كل يوم، واليأس يدب في النفوس، والأمل يكاد ينفد، والأجانب وأصحاب المصالح يتحكمّون في مفاصل القطاع الخاص، ويسيطرون عليه، ويتدخلون حتى في القرارات الوزارية في أحيان كثيرة حتى لا يفلت منهم الزمام، بينما شباب الوطن يقاتلون من أجل فرصة عمل في بلادهم، تدفع عنهم غائلة الزمن، ويحققون بها ذواتهم، ويعيشون من دخلها بعزة وكرامة أمام نظرات مجتمعٍ لا ترحم.

كثيراً ما نقرأ إعلاناً عن وجود شواغر ووظائف سواء في القطاع الحكومي أو الخاص، بشروط غريبة وتعجيزية أحياناً، فيهرع مئات بل آلاف من الباحثين عن عمل ليجرّبوا "حظهم" وفرصتهم، فإذا بهم يُفاجأون بأنَّ العدد المطلوب للوظيفة شخص أو شخصين من بين تلك المئات الباحثة عن أمل وعمل، وهذا ما يزيد الإحباط لدى هؤلاء، ويجعل المُستقبل أمامهم مظلماً، ويعودون للمنزل مكلّلين بخيبة الأمل، ينتظرون فرصة تلو فرصة دون جدوى، ولا أعتقد أنَّ الآثار والنتائج الاجتماعية والأمنية الخطيرة لهذا الوضع غائبة عن المسؤولين.

لقد حان الوقت لوضع آلية جادة وواضحة تكفل لكل مواطن وظيفة محترمة تليق به، وتُقلل من سنوات الانتظار وطابور الباحثين عن عمل، وتحتسب سنوات ما بعد التخرّج ولا تكتفي بنتائج الاختبارات التحريرية والمُقابلات فقط، دون النظر للعوامل الأخرى، فالعمل حق من حقوق المواطن، وبناء الوطن لا يكون إلا بسواعد أبنائه، بما يليق به وبهم، فسكان السلطنة لا يتعدّون المليونين ونصف المليون، وهي دولة نفطية، وذات موارد اقتصادية عالية، وهذا لا يتماشى ومنطق وجود طاقات شابة مُعطلة ومركونة طيلة سنوات دون وظيفة أو عمل، ولا يتفق مع منطق يقوده بعض المسؤولين ممن يحملون ملف "التعمين" يحاولون فيه إقناع الشباب بالعمل بأيِّ وظيفة وأي راتب وأي شروط! وهي الأسطوانة التي يتم ترديدها لتبسيط القضية، ولعلَّ مثل هذه الدعوة قد تكون مقبولة ومفهومة في دولةٍ ذات تعدادٍ سكاني ضخم، ولا يوجد لديها موارد طبيعية، أو مقومات معيشية، أما أن يكون في دولة نفطية وذات مقومات اقتصادية وتجارية وصناعية وسياحية فالأمر يبدو غير مقبول منطقياً، رغم كل عناصر التلميع التي تحاول تمرير هذه الأطروحات.

إنَّ قضية الباحثين عن عمل قضية حيوية ومحورية وذات أولوية قصوى في رؤية حكومة صاحب الجلالة- حفظه الله- ولكن التباطؤ في حلها أو تأجيلها أو وضع حلول مُؤقتة و"ترقيعية" وغير فاعلة قد لا يكون مجدياً، وأتمنى أن يكون إعلان وزارة العمل "المنتظَر" يتضمن استراتيجية واضحة ومحددة وجذرية لإغلاق هذا الملف إلى الأبد.