قنبلة موقوتة

د. رضية بنت سليمان الحبسية

Radhiyaalhabsi@gmail.com

إنَّ واقعَ شبابنا من الباحثين عن عمل لا يقل خطورة عمَّا يُوصف بالقنبلة الموقوتة، فإنْ كانت عبارة قنبلة موقوتة "أَيْ مُحَدَّدٌ لَهَا وَقْتٌ مُعَيَّنٌ لاِنْفِجَارِهَا" (معجم المعاني الجامع)، فإنّ ما وصلت إليه حال هذه الفئة يتفاقم يوما بيوم، ليُصبِح انفجارها بلا وقت محدد، قد يقلب الموازين، ويربك القوى، ويغير وجهة كثير من المخططات الحكومية. فإذا كان الإنسان هو ركيزة التنمية لأي بلد، فالشباب عماد الوطن، وأداة تقدمه؛ بما يملك من طاقات لا محدودة، تأثيرها بعمق مُحرِّكاتها. إذن، فالمطالبة المجتمعية بإيجاد حلول سريعة وجذرية بات ملحًّا، وأمرًا طبيعيًّا.

لطالما عَلَت الأصوات، ونُفِخت الأبواق، بضرورة الصبر، والتحلي بالجَلَد، عبر منافذ متعددة، وقنوات رسمية وغير رسمية. ولكن كما يقُول المثل: من يده في الماء ليس كمن يده في النار. فمن يُعايش باحثًا عن عمل، يتلمس حجم المعاناة والمأساة، بتسلسل الأيام والسنين من بين أيديهم، فتتبخَّر أحلامهم، واليأس يتملكهم، من قدرة القائمين على قضية الباحثين عن عمل على إيجاد مخرج ومنفذ من أزمة أضحت كارثية، فلا يجدون خيارًا لإيصال أصواتهم للقيادات العليا ومتخذي القرار، سوى الخروج بصوتٍ واحدٍ، مطالبين بحقهم في العمل، والشفافية في رؤية البلاد نحو توظيفهم، وإيجاد فرص عمل تستوعب هذه الأعداد غير الهينة، والتي بلغت 65438 باحثا عن عمل حتى 12 ديسمبر 2020م.

إنَّ المرحلة المقبلة من مستقبل عُمان تتطلَّب سواعد خريجة مؤهلة، متحمسة للعطاء، لا كوادر خاملة، تراكمت عليها السنون، ومهارات تتجمَّد أمام أبواب موصدة للعمل والإبداع. إنَّ المتابع لجهود بعض الجهات في تدريب الباحثين عن عمل، أو تدريب مقرون بالتشغيل، يجد أنَّها لا تغدو كونها أقراصًا مُسكِّنة لمرض عضال. وبعضها وإنْ كانت جادة وواقعية، إلَّا أنها لا تُغطي أدنى نسبة مقبولة، مقارنة بالعدد الإجمالي من الباحثين عن عمل. كما أنَّها لا تستوعب كافة التخصصات الجامعية من الخريجين، لفئة احتلت المرتبة الأولى بين الباحثين عن عمل من حملة شهادة البكالوريوس وأعلى، والتي بلغت 24301 باحث عن عمل. كما جاءت في المرتبة الأولى لمن يبلغ من العمر ما بين (25 و29) عامًا بـ25166 باحثا عن عمل، ثم الفئة العمرية (20-24) عامًا. والتوجُّس المنطقي من أن يؤول ذلك الواقع إلى إشكالية أخرى، تتمثل في نوع من الجمود المهني والتأهيل الأكاديمي، مع مرور السنين، خاصة لبعض التخصصات العلمية الدقيقة.

وبقَدر حساسية الموقف، وضخامة الأزمة، إلا أنَّ التعامل معها بحكمة مَطلب يتطلب قرارًا حاسمًا وفوريًّا، بما يحقق السكينة والطمأنينة بين أبناء المجتمع وأسرهم. ولا ريب أنَّ قوة بعض القرارات تكمُن في مجازفتها وجرأتها، إلَّا أنَّ عدم اتخاذها، أو تأجيلها يُمثل خطورة أكبر، لا تقل خطورة عن القنابل الموقوتة، التي تفتك بأمن وسلامة البشرية. وعليه، يتوجَّب أن تحتل قضية الباحثين عن عمل مقدمة أولويات المرحلة المقبلة؛ للاستفادة القصوى من أولئك المؤهلين لتحقيق رؤية "عُمان 2040"، وصولا لمستقبل يقوده الطموح، بإرادة شبابنا الواعد، وبأيدٍ عمانية مُخلصة؛ لأجل الوطن الغالي.

تعليق عبر الفيس بوك