من فوهة القلم

 

جيهان رافع

 

من فوهة القلم انطلقت أكبر القنابل الكلامية وفجَّرت أكبر الثورات، من فوهة القلم انطلقت حمم براكين الصمت، فكثيرًا ما أشعلت قلوبًا على مساحات الورق، وأضرمت نارَ الحنين في جليد الأشواق، وكثيرًا ما أُخمدت قبل أن تخرج، بصقيع السياسات المُتجمدة والقرارات الخانقة. 

القلم عالم صغير حيث تكمن أعظم الأسرار البشرية، فكان وما زال أساسًا لكل التغييرات عبر الزمن ومن نفس هذا العالم الصغير تعددت خفقات القلوب بجرّة منه وبدأت حياة من الحب وانتهت أخرى، وقصص عالمية اختبأ بين كلماتها أسرارٌ كثيرة، قصص عاش بها القلم صراخ صمت كاتبها وصرخ معه، وأخرى عاثت بقارئها حنينًا لم يحسبه، ففرّ من فم قلمه طيور أشواقٍ  وتناثرت على ورقه ألوان آلامه وآماله.

 "عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أن رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) قال: رُفع القلم عن ثلاثة، عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل"، وقال أيضًا رضي الله عنه: "عقول النَّاس مدونة في أطراف أقلامهم".

قال ابن المقفع: "القلم بريد القلب، يُخبر بالخبر وينظر بلا نظر".

وقال أحدهم: "القلم أصم يسمع النجوى، وأخرس يُفصح بالدعوى، وجاهل يعلم الفحوى".

كم من أفكارٍ صنع منها القلم مستقبلا بأكمله؟ وكم من اتفاقاتٍ نجح القلم بتفريقها ودفنها في  ركام العهود الكاذبة؟ النفس تسأل والعقل يجيب وكلها حكايات يكتبها القلم بأكمل صمتها وبوحها فيسترها أحيانًا خلف ستائر الورق ويكشفها أحيانًا أخرى لتنال ما لها من نصيب من الشهرة والقراءة والمتابعة مرات وأخرى تنال نصيبها من الرفض والسخط والتذمر والحروب ربما الكلامية أو التجارية أو المسلحة.

كتبت في الماضي وعلى صفحات الوجع الروحي الذي نعيشه في زمنٍ فَقدَ المعنى الحقيقي للصدق واتبع نهج الكذب والتدليس والنفاق في أغلبية الأوقات والعلاقات البشرية التي لطالما حلمت أن تتجه نحو السلام وتُبدد بنور الحقيقة ظلام النفاق، لكن بالأمل سنصل لتلك الأحلام وسنُحققها بإذن الله وإن لم يكتب الله لنا ذلك ستأتي الأجيال وتُحققها، مما كتبت: الألم محبرة القلم، وأكتب لأنقش عرق الروح على الورق، أحب وجع قصتي لأنَّه جعلني أكتب.

فما الذي يجعلني أنا وغيري ممن يكتبون أن نشعر بكل هذا الألم كي نكتب؟ ولماذا الألم يستنهض الإبداع؟ بينما نترك المحبة على هامش الأقلام، هل هو الخوف من تسلط ردود الأفعال والتقاليد؟ أم أنَّه الخوف من البوح بمكنونات الروح؟ أم لأننا فقدنا المصداقية في العلاقات الروحية الجميلة بين النَّاس؟ فرفضت أقلامنا أن تملأ أوراقنا بالزيف والتستر على ما يدور في أرواحنا من ألم على فقدانها، وألّا نكتب ما لا نعيش حقيقته؟

ربما يقول أحدهم إننا نبالغ باستخدام القلم ضد الشر وضد انعدام الثقة ويستاء البعض من كمية الألم والوجع الذي تخطه أقلامنا، لكننا بالأمل سنكتب ضد النفاق حتى يعم الصدق ونستنهض النور من قلب الظلام، هكذا أخبرني قلمي.