كيف تعيش في عالم مجنون؟!!

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

قال لي صاحبي -الذي عادَ مؤخرًا من رحلة علاج صعبةـ وهو يبتسم بمرارة: "لقد قررتُ -دون تردُّد- أن أقاطع نشرات الأخبار، ووسائل التواصل الاجتماعي، والإذاعة والتلفاز، وعبث الصحف، وأطباء ومحللي الواتساب، وآراء وفتاوى علماء الدين، وأخبار كورونا، وتصريحات المسؤولين المتشائمة؛ حفاظا على ما تبقى من صحتي التي لوَّثتها الأخبار السيئة، والنشرات المزيفة، وأكاذيب بعض المسؤولين، وتفاهات الكتّاب، وغباء "الفانشيستات"، وحماقات "اليوتيوب"، وكل وسيلة أو مصدر يسبب لي الكآبة والضيق.. قررتُ أن أعيش دون رتوش، ودون أقنعة، ودون ضغوط نفسية وعصبية تسرق ما بقي لي من عمر"!!

قالها بمرارةِ رجلٍ اقتنع -أخيرا- بأنَّ الحياة مجرد لعبة مكعبات، تعيد ترتيب وتركيب نفسها دون جدوى، ولعلَّ لديه الكثير من الحق، فما نراه، وما نسمعه لا يُغرينا بالاستمرار والانغماس فيه، ولا يجلبُ لنا السعادة التي نبحث عنها؛ فنشرات الأخبار ليست سوى ترديد لما تريده الحكومات، والإعلام ما هو إلا بَوق يكبر الأصوات، ويكرر ما يريد المسؤولون قوله، لا ما نريد سماعه، وبعض علماء الدين أصبحوا علماء سياسة موجَّهين حسب الموجة، والجميع صار محللا اقتصاديا وسياسيا ونفسيا واجتماعيا، وأصبح الأطفال ينصحون الكبار، و"الفاشنستات" نجوم مجتمع، والتافهون والتافهات والجهلة أبطالًا وقدوات في وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبحت أخبار الضرائب ورفع الدعم وارتفاع الأسعار وسيلة لرفع الضغط، وغدا استغلال الأطفال وجرائم القتل والاغتصاب مجلبةً للغصة، وما آلت إليه الشعوب والديار من خراب ودمار صار أكبر مما يحتمله الإنسان ذو اللب السليم.

فعلا.. لقد تجاوزتْ الأمور حدَّها الأقصى، وأصبحت الفوضى سيِّدة العالم، وتقلَّصت الأخبار السارة والمبهجة، حتى كادت تختفي، وغطَّت أخبار الحروب والمصائب على المشهد، والأنكَى والأدهَى من كل ذلك أن الناس وصلت لمرحلة خطيرة؛ فهم يكذبون على أنفسهم ويصدقون الكذبة، ولعل ذلك أصبح المنقذ الوحيد لهم بدلا من الاستسلام للجنون في عالم يغرق بالجنون، ويعيش على النفاق والكذب، ويسعى بكل هِمَّة لهدم القيم الاجتماعية والدينية والأعراف والتقاليد التي تكاد تُصبح جزءا من الماضي، لتحل محلها قيم مُفصَّلة على مقياس بشري واحد، ينادي بحرية الإنسان حتى في الانتحار بمسميات ناعمة كـ"القتل الرحيم"، أو يدافع عن تغيير واختيار الجنس الذي يرغب أن يكون عليه البعض، بمسميات مثقفة كـ"مجتمع ميم"، والعالم المغفَّل ينظر ويصفق لهذا الهدم الأخلاقي والإنساني، ويدافع عن حقوق "المثليين" والشواذ بكل بلاهة!!

أظن أنَّ مع صاحبي كثيرا من الحق لهجرة كل هذا العالم المزيف، والمتخلِّف؛ فحين ينقلب الكون رأسا على عقب، ويُصبح كل ما حولنا مدعاةً للإحباط، والأمراض النفسية والعقلية، حينها يجب أنْ يسبق كل نشرة أخبار، أو محتوى ساقط، عبارة: "المادة التالية مُضرَّة بصحة القلب والشرايين، ننصحك بعدم الاستماع لها أو مشاهدتها".. لعلَّ مثل هذه العبارة تقلل من أعداد المصابين بالأزمات القلبية والنفسية في زمن لا عقل له.