البحث عن وجهة

طفول سالم

لم يكن يوماً متهيئاً للصدام، انزوى جانباً مُحاولاً تفادي ذلك مع بعض الأشخاص الذين قابلهم في طريقه. لم ينطق بكلمة عندما مرَّ بجانبهم، نظروا إلى عدة الصيد التي كان يحملها بيده، ضحك أحدهم بصوت عالٍ ثم أردف بضع كلمات على مسمع أحمد الذي لم يفقه منها شيئًا.

 

 ذهب إلى أعلى قمة في قريته مطلة على بحر شاسع؛ ‏لحظات غير معلنة انتابه شعور ثقيل حمله على عاتقه وعجز عن فهمه. نزل إلى الشاطئ وأخذ يبحث عن طعم يُعلقه لسمكة قد تقفز مرحبة به. و‏وجد نفسه مجهولاً في الوجهة الوحيدة التي اختارها لتكون له واضحة المعالم حين تخلت كل الأماكن عن مصداقيتها فأظهرت له عفنا نهش أعماقها حتى رمت أثقالها يائسة.

أضاع نصف يومه سُدى في البحث حتى أنهكه الجوع والشمس، غيمت عيناه ثقلا وتعبا، فاتكأ على حائط مهترئ أرخى ظلالا لترثي حاله.

رفع بصره للسماء لعله يرى طيراً يبشره بقدوم سرب مهاجر يخرج إليه من أعماق البحار.

‏راوده شعور أن هناك شخصاً يراقبه في كل لحظاته، أخذ يلتفت تارة ذات اليمين وتارة ذات اليسار حتى رأى نفس الأشخاص يركبون قارباً محملاً بكميات هائلة من الشباك يتوجهون إلى "اللنج" كان لبعض تجار المدينة، كم تمنى أن يحظى ببعض الوقت معهم لعل الحظ يبتسم له؛ همَّ بينه وبين نفسه أن يجرب حظه هرع إليهم وأخذ يلوح لهم بيده تارة وتارة يصرخ بأعلى صوته المبحوح من ضيم الأيام.

رآه أحدهم ورفع له يده ملوحاً له بالعودة فلا مكان لأمثاله معهم نظروا إليه ضاحكين، شامتين، بعضهم تمتم بكلماتهم الخاصة فعلت أصواتهم بصرخات وقهقهات. رجع خائباً خائر القوى ليُلقي جسده المُتعب على الرمال الحارة لتمتص ما بقي من قوته الخائرة.

رآه شيخ كان ماراً بالقرب منه فقال له: ‏اتفهّم رغبة المرء بالبحث عن قوت يومه لكن إن أردت الحياة فلا تقترب منهم لديهم القدرة أن يضروك ويقطعوا رزقك. رفع رأسه إلى مصدر الصوت وقال على مضض: وهل بقي رزق يقطعونه، انظر إلى حالي كل يوم آتى إلى هنا لعلي أصطاد شيئاً فلا أجد سرطاناً أو محاراً أو حتى نورساً عابراً؛ فقد انقرضت وهاجرت حتى أصبحت هذه الخلجان غورا لا تنفع للصيد ولا لسواه.

اقترب الشيخ وجلس على مقربة منه: هؤلاء الرجال لديهم مُعدات حديثة تجرف الأخضر واليابس ولم يردعهم أحد، يعملون ليلاً ونهارا حتى تمَّ القضاء تماماً على بعض الأخوار القريبة من هنا، أنصحك أن تبحث هناك على تلك الخلجان القريبة من الفنادق فقد يكون الصيد فيها أوفر وعسى يتغير حظك.

طأطأ رأسه قليلاً ثم حدَّق في عيني الشيخ المجعدتين من ثقل الأيام وقال له بصوت مخنوق: ‏البقاء في الهاوية أقل وطأة من الشعور بتيه النفس؛ كل تلك الأماكن تمَّ دفنها عندما شيدوا الفنادق، فالرؤوس والخلجان والأحياء البحرية تمَّ طمسها بالكامل.

ها هنا قام الشيخ يكمل طريقه يتمتم ببعض الكلمات: يا ولدي تشبث بكل الفرص سيأتي يومها لا تيأس سيأتي يومها.

تعليق عبر الفيس بوك