لماذا نختبر أبناءنا؟!

إسماعيل بن شهاب البلوشي

سيبقَى العلم والتعليم هو البحر الذي وإن اعتقد  الإنسان يوماً أنه أبحر بعيداً في عمقه، فإن الأمر لم يكن إلا على أطرافه.. قال الله تعالى: "وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً" صدق الله العظيم.

عمق العلم حقيقة ارتبطت بين الإنسان وتدرجه في أطوار الحياة، ولو أن الأمر سهل ويسير، أو أن قمَّة العلم وصلت إليها أي حضارة في يوم من الأيام، لأصبح وجود الإنسان أقرب إلى الخاتمة، ذلك أن العلم هو السبب الأول في تطوره، مرتبطًا بطموح الاستمرار واكتشافه للجديد، ومجابهة التحديات التي تُصادفه، ولأنَّ بحر العلم غزير، فلقد كان لكل حضارة ومرحلة من الزمن توجه معين معه ازدهرت علوم معينة كانت سببًا حقيقيًّا في تشكيل وتطوير نمط هذه المرحلة.

اليوم، وبسبب العلم والحاجة إليه وتسخيره والتعامل معه، أفرز ذلك تبايناً واضحاً في قوة ومستوى الشعوب؛ فهناك من ينشغل ويركز على توجه معين من العلم  يرى أنه الأنفع والأقرب إلى الواقع الذي ينظر إليه ويناسبه، ولا يمكن لأي توجه فكري أو علمي أن يكون هو الأفضل للجميع، وكذلك فإن ما تعلِّمه الشعوب لأبنائها لا يمكن أن يكون نموذجاً يجب تعميمه، وأنَّ نتاج العلم لا يمكن قياس نتائجه في المدى المنظور القريب أو المتوسط. وعلى أية حال، فإنَّ اختيار التعليم ومواده والاستمرار فيه، والتركيز عليه، يعتمد على عوامل ومقومات وأفكار مفصلية في حياة كل شعب من شعوب الأرض، وأنَّ الدول التي اعتمدت على التقليد أوجدت اسما للعلم دون مراعاة الخصوصية والسمة والحاجة الفعلية ولم تتمكن من النجاح الحقيقي؛ لأن القبول بالتعليم من جانب المعلم والمتعلم لم يكن بهذه الأسس الكافية للاقتناع بنوعية العلم المطبق، وكذلك فإنَّ مخرجاته كانت تحمل الجانب الشكلي والاسمي بأكثر مما يُؤمَّل منه  ذلك، وكأنك تصفُ وجهة طريق لإنسان وهو مقتنع أن ذاك الوصف لا يؤدي إلى الوجهةِ المطلوبة.

لذلك؛ فإنَّ حقائق المخرجات ورفاهية حامليها هي أقوى وأوضح إجابة عن أهمية التعلم بعكس الحديث عنها في بداية الطريق إلى التعليم، غير أنَّ المخاطب يرى من سبقوه وأنهوا المراحل التعليمية المقررة أنهم في وضع بعيد كل البعد عن طموحه، وكذلك فإنهم يراقبون ويطلعون على حقيقة المجتمع وقيمة المتعلم بشكل عام وفي كل شيء؛ لذلك فإنَّ الطفل الصغير يحمل أفكاراً  وتوجهاً من خلاله يقيم الوضع أكثر بكثير مما نتوقع جميعاً، بل إنه يختصر على القائمين على العلم مسافة أطول من المتوقع لأنه يذهب مباشرة إلى النتيجة؛ لذلك فإنَّ خطاب الحقيقة والواقع أشد تأثيرا من أي برنامج أو توجيه أو تلقين أو حتى مطالبة وفرض للقوانين، وكذلك فإن محاكاة الواقع والقدرة الفعلية على تصميم نظام تعليمي مرن يحاكي التغيرات الداخلية والمحيطة والحاجة الفعلية الواقعية هو أمر بحاجة لمراعاة خطة عمل مستمر؛ من خلال طواقم توجيهية وتربوية على درجة عالية جدًّا من المقدرة والتأهيل والفكر الإستراتيجي غير المقيَّد من النواحي التنظيمية والسياسية، وبشكل يسمح لهم بفرض مساحة واسعة من الأفكار الفلسفية العميقة.

الامتحان أو الاختبار في كل المستويات العلمية، وللأسف الشديد، لم يُحسَن النظرُ إليه في معناه وهدفه، والأغلب منا ينظر إليه على أنَّه امتحان لمادة معينة ونقيِّم الطالب من خلاله ليكون ناجحاً ومتفوقاً بنسبة معينة يتم الاعتماد عليها في كامل مستقبله، أوعكس ذلك، حينها يكون الأمر هو أقرب إلى ضربة حظ، وفي الحقيقة أن الاختبار هو اختبار لمجموعة متكاملة من القيم للطالب، وفي جزءٍ قليلٍ منها اختبار للمادة العلمية، وكذلك فهو اختبار للمعلم الذي علَّم ووجه وربَّى، وكذلك هي سؤال للوالدين وللمجتمع وللسلوك السائد من خلال هذه المعطيات لنسمِّيها اختبارًا.

وإذا كان الهدف هو معرفة مستوى تحصيل الطالب، فماذا عن لجان المراقبة ولجان التصحيح؟ لماذا نحنُ نختلف وبشدة عن دول العالم التي يكون تركيزها الأكبر خلال التعليم ومنهاجه وطرقه أكثر من التركيز على الاختبار؟ ذلك أن النجاح الحقيقي في العلم هو مجموعة من الأسس يتخرج بها الطالب أميناً وصادقاً وشامخ الفكر، ولا يحتاج إلى مراقب؛ لأن الحاجة إلى مراقب سوف تعني استمرار الحاجة لهذه المراقبة إلى الأبد.

لذلك؛ فإنَّ على الموجهين والخبراء التربويون توجيه البوصلة الإستراتيجية للتربية والتعليم، وليس فقط إدارة منهاج معين، والأمر الذي قد يكون أكثر أهمية هو ما يؤمر به الطلاب من مجسمات ووسائل، تحت مسمى مشاريع، في حين أن أكبر مسؤول يعلم أن هذه المشاريع لا يقوم بها الطالب، وجمالها يعتمد على كم دفع فيها، وهذا ما يسمى بالكارثة، لأنه إعلان رسمي قوي وصريح بتلقين وتعليم أبنائنا الحيلة والخداع بطريقة ممنهجة ومدروسة، ولو أنها أوجدت حصة تسمى تنمية الذكاء، وأتى المعلم ببعض الأدوات البسيطة في كل مرة، وطرح فكرة، وتم الاستماع للإجابات والمداخلات لذُهِل الجميع بما سيقول من نراهم صغاراً، ولتغيَّرت طرق التفكير بل ونسبة الذكاء العام.