الحرملك العثماني

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

"ترجع أهمية هذه الدراسة إلى أنها تتناول مؤسسة مهمة لعبت دورا بارزا في تاريخ الدولة العثمانية من الناحيتين السياسية والاجتماعية، وهي الحرملك؛ نظرا لقربها من مركز صناعة القرار، وتأثيرها عليه في فترات متفاوتة من عمر الدولة العثمانية" - طلال الجويعد

تحدَّثت كتب التاريخ والأدب عن الكثير من خفايا الحياة الخاصة لبيوت السلاطين بالدولة العثمانية، كتب عنها المؤرخون والمستشرقون والأدباء، وعلماء الأنثروبولوجيا (علم الإنسان) وغيرهم من العلماء والمتخصصين في العلوم الإنسانية، ويعتبر الحديث والبحث عما يجري ويحدث في هذه البيوتات من أصعب ما يمكن؛ نظرا للطبيعة المحافظة الإسلامية التي تغلف حياة أهل وقاطني هذه البيوت السلطانية.

قرأتُ مؤخرا كتابا بعنوان "الحرملك العثماني"، من تأليف الدكتور طلال الجويعد، وهو أستاذ بجامعة الكويت وباحث بالتاريخ العثماني، والكتاب عبارة عن رسالة دكتوراه للمؤلف، ويغلب على الكتاب الطابع الأكاديمي كعادة هذا النوع من الكتب المتخصصة، وكان شاملا في عرضه وشرحه ومعلوماته القيمة التي بعضها لأول مرة يذكر على مطبوعة عربية، وهو كتاب مهم للمهتمين بالدولة العثمانية وحيثياتها وملامحها ودقائق تفاصيلها، وكون الكتاب يتحدث بتركيز على الحياة الغامضة في البيوتات الخاصة لخاصة الخاصة، فإنه يدخل دهاليز، ويفتح أبوابا جديدة للمعلومات لا غنى لأي باحث عن التبحث والقراءة والتمعن بها.

وعن المعنى اللغوي والاصطلاحي للحرملك، فكما جاء في الكتاب: "الحرملك.. مصطلح عثماني مكون من شقين "حرم" من اللغة العربية، و"لك" وهي أداة المصدرية في اللغة العثمانية، ويطلق هذا المصطلح على القسم المخصص لنساء السلطان وجواريه داخل قصر طوب قابي" (1).

هُناك من يربط الأمر بالنسوية وهو كذلك، وكذلك أيضا "فإنك لو تعاملت بها مع إجراءات الخصوصية ستجد معطيات لا اختلاف حولها، فهناك النساء الحرة، وهناك المحظيات وكذلك جواري الخدمة داخل البيوت، ولكل منهن دور، ولكل بيت قصصه الخاصة وملامحه وتفاصيله المختلفة عن غيره، فهناك من يعتقد من المستشرقين أن المرأة العثمانية هي أشبه بالخادمة، وأيضا من يعتقد أنها للفراش والإنجاب، وكذلك من يجزم بأن المرأة العثمانية في داخل الحرم المنزلي هي السيدة الأولى بل وصاحبة الكلمة العليا"... معلومات متضاربة وتناقضات بين تدوينات وتأريخ المؤرخين وهو أمر طبيعي منطقي لصعوبة دخول الغرباء في البيوت، سيما والتقاليد الشرقية المستمدة من الشريعة الإسلامية التي تشدد على حرمة البيوت تمنع الكثير من أهل التدوين والتأريخ وحتى الدبلوماسيين والتابعين للأجهزة الاستخبارية الدخول لها وتتبع تفاصيلها، لذا كثر الكلام، واكتنزت الكتب بمعلومات عديدة نادرٌ منها ما يتمتع بالثقة، فيما يأتي هذا الكتاب ليدحض كثيرا من المعلومات الخاطئة حول هذا الموضوع شبه الغامض وهو الحرملك العثماني، ولا شك أنَّ الباحث بذل جهودا مضنية مخلصة لتتبع المصادر والمراجع ليأتي للمكتبة العربية بكتاب شيق مفيد جديد الطرح والأسلوب ومعتمد من إحدى أرقى الجهات العلمية.

والمرأة العثمانية تاريخيا لا تختلف عن غيرها، إذ إن هناك من النسوة العثمانيات ممن أثرن في مجريات أحداث في التاريخ السياسي للدولة، ومن هذه الأحداث ما ذكر في الكتاب، أنه عندما "غضب السلطان محمد الرابع على والي الشام صاري حسين باشا وعزله، تدخلت خديجة تورخان والدة السلطان وشفعت فيه فعين مفتشا للأناضول، ثم أعيد بعد مدة واليا على الشام مرة أخرى" (2).

الكتب الموثوقة التي تتحدث عن التاريخ الاجتماعي شبه نادرة، لأنها تطرق بابا صعب الولوج منه، حقيقة الأحداث صعب تتبعها لأن المصادر والمراجع ذات المصداقية أو على الأقل الموثوقة أقل بكثير من غيرها في أبواب التاريخ الأخرى نظرا لخصوصيتها الشديدة، لذا تجد الباحثين الذين يدخلون هذا النوع من التأريخ يجهدون أكثر من غيرهم؛ لذلك هذا الكتاب مهم ويستحق تواجده في مكتبة أي مهتم بالتاريخ العثماني عامة، وبالتاريخ الاجتماعي خاصة.

__________

(1) ص 53، كتاب "الحرملك العثماني".

(2) ص 267. نفس الكتاب.