ميزانية الأمل

حاتم الطائي

حزمة التحفيز الأخيرة تُبشِّر بعام جديد مليء بالنجاحات

2021 ينطلق بخطى حثيثة نحو مستقبل اقتصادي مستدام

◄ أولويات "الخمسية العاشرة" تقود اقتصادنا الوطني إلى بر الأمان

ها قد ولَّت سنة 2020، مَضَت بكل ما فيها من صَدَمات وأحزان، رغم ما حملته لنا من بُشريات طيبة سارة، لنبدأ عامًا جديدًا يَملؤه التفاؤل بغدٍ أكثر إشراقا، ومستقبل أوسع آفاقا.. فقبل ساعات من انقضاء آخر أيام العام المنصرم، أعلنتْ وزارة المالية -بتوجيهاتٍ ساميةٍ من لدن حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن  طارق المعظّم حفظه الله ورعاه- العديدَ من التسهيلات والحوافز التي ستقدَّم للمواطنين والقطاع الخاص في 2021، تلك التسهيلات التي تتضمَّن مَنح قروض وأراض للمواطنين، بجانب إعفاء المقترضين من بنك التنمية العُماني وهيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من فوائد الاقتراض للعام 2021، وهو ما يُقدر بقرابة 11 مليون ريال.

ونستهلُّ العام 2021 بواحدة من أهم وأفضل الخطط الإستراتيجية التي وضعتها الكفاءات الوطنية، إنَّها الرؤية المستقبلية "عُمان 2040"، إلى جانب بدء تنفيذ خطة التنمية الخمسية العاشرة، وقبل ذلك الميزانية العامة للدولة للسنة الجديدة، ميزانية الأمل والتفاؤل، ميزانية الأساس، ميزانية البناء للمستقبل الواعد، أولَى ميزانيات العهد السعيد، تحت القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه.

ولا شك أننا كنَّا في أمسِّ الحاجة لجرعة مُكثفة من التفاؤل والأمل، يمحو آثار التداعيات السلبية التي مرَرنا بها خلال شهور الوباء، وما أسفر عن أزمات اقتصادية، وتذبذبات مالية، ألحقتْ الضررَ بمختلف الفئات والقطاعات، لكن هذه الجرعة الأخيرة من البشريات أثلجت الصدور وأراحت النفوس، ودفعت المجتمع للاطمئنان على مستقبله. فرغم سياسات الترشيد الناجحة وقرارات إعادة الهيكلة، وما تبعها من إجراءات عزَّزت مشاعر الارتياح في المجتمع، ما زال أمامنا مشوار طويل علينا أن نتعاون فيه جميعًا، وأن تتكاتف جهودنا من أجل مواصلة دعم قيادتنا الحكيمة في مسيرة النمو والرخاء، والوصول إلى بر الأمان.. الأمان الاقتصادي المنشود مع عَودة ارتفاع التصنيف الائتماني للسلطنة، ومع نزول العجز المالي للمستويات الدنيا، ومع الإسراع في سداد الدين العام دون التأثير على ميزانياتنا السنوية بصورة كبيرة.

لذلك؛ فعندما نُمعِن النظر في تفاصيل الميزانية العامة للدولة للعام 2021، نجد أنها سعت سعيا حثيثا نحو تبني نهج واقعي، لكنه أيضا مُفعم بالأمل والطموح، الأمل في مواصلة الإنفاق الحكومي رغم تراجعه بنحو 18%، والبحث عن موارد جديدة لمواجهة تراجع الإيرادات بنسبة 19%. لكن في الوقت نفسه ترتكز الميزانية على واقعية إيجابية، تتمثل في اعتماد 45 دولارا لسعر برميل النفط في تقديرات الميزانية، في حين أنَّ سعر التعادل المنشود لتفادي تسجيل أي عجز ربما يصل إلى 80 دولارا للبرميل؛ الأمر الذي يدفعنا بقوَّة نحو تعزيز التنويع الاقتصادي والاعتماد على المصادر غير النفطية لتحصيل إيرادات تساعدنا على تنفيذ الخطط والمشروعات. ولقد تمكَّنت الحكومة من إبقاء العجز المستهدف عند مستوى 8% من الناتج المحلي الإجمالي، مع استهداف اقتراض 1.36 مليار ريال من الخارج والداخل وهو ما يمثل 73% من إجمالي العجز؛ وذلك للتخفيف من حِدَّة السحب من الاحتياطيات؛ حيث لن تسحب الحكومة من هذه الاحتياطيات سوى 600 مليون ريال لتمويل ما نسبته 27% من العجز، وتلك رؤية طموحة للحفاظ على حقوق الأجيال القادمة، ومن ثم التقليل من مستوى المخاطر في السنوات المقبلة. ولا يجب أن نتوجَّس كثيرا عن مسألة الاقتراض، وإنْ كان لها مخاطرها، لكنَّها تظل في حدود المخاطر القائمة، خاصة في ظل الركود الاقتصادي العالمي الناجم عن تداعيات وباء كورونا، فضلا عن التراجع الحاد في أسعار النفط.

التفاؤل في 2021 منبعُه كذلك ما جرى الإعلان عنه -وما سيُعلن عنه لاحقا- من إجراءات مالية واقتصادية لمواجهة تداعيات "كورونا" وتراجع أسعار النفط، إلى جانب ما تمَّ اتخاذه من خطوات لخفض الموازنات المعتمدة للجهات المدنية والعسكرية والأمنية بنسبة 10%، ومن ثم خفض فاتورة الإنفاق العام، والعمل على توجيه الإيرادات وفق آليات أكثر ترشيدا وحوكمةً، فضلا عن مواصلة استكمال البنية الأساسية الداعمة لتحفيز النمو الاقتصادي.

ومما يُضاعف من مشاعر التفاؤل كذلك، وبالتوازي مع إعلان تفاصيل الميزانية العامة للدولة، انطلاق العمل بأهداف وأولويات خطة التنمية الخمسية العاشرة (2021/2025)، بكل ما تتضمنه من تطلعات تمهد الطريق نحو "عمان 2040"، والتي تأتي ترجمة لما تضمنه الخطاب السامي لجلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- في 23 فبراير من العام الماضي، واضعةً نُصب أعينها إحداث نقلة نوعية غير مسبوقة لمسيرة التنمية الشاملة والمستدامة. وهذه الخطة الطموحة ستساعدنا كثيرا في استعادة زخم النمو الاقتصادي، الذي تأثر بشدة جراء تراجع أسعار النفط وزيادة المديونية، وما ألمّ بالعالم من حولنا من ركود حاد عمَّقه وباء كورونا. لكن من جهة نظري، أرى أن أكثر ما يميز هذه الخطة الواعدة أنها أُعِدت بأيدٍ وخبرات وطنية، لم تضع في حسبانها -عند التخطيط لها- أية مصالح غير مصلحة الوطن العليا، عملوا ليل نهار لإنجاز الخطة ووضع توجهاتها ورسم أولوياتها وتحديد أهدافها.

والحق أنَّ هذه الخطة الخمسية العاشرة ستحقق 3 أولويات رئيسية؛ هي: تحفيز اقتصادنا الوطني من خلال المشروعات والبرامج الاقتصادية الطموحة، وأيضا أولوية رفع الكفاءة المالية من خلال سياسات الترشيد وخفض فاتورة الدعم وتوجيهه لمستحقيه، إلى جانب أولوية تبني سياسات مالية توسعية لكنها منضبطة، بما يكفل الحفاظ على معدلات تنمية متسارعة الخطى، وأيضا ضمان استدامة الدورات المالية.

يبقَى أن نُشير إلى جانب بالغ الأهمية في كل خطط وتوجهات وإستراتيجيات الدولة؛ حيث تعمل مؤسسات الدولة وكفاءاتها الوطنية على تحفيز القطاع الخاص، وتوفير كلِّ سبل التمكين له، رغم بعض العراقيل التي ما زالت قائمة، إلا أنَّ المشهد العام يؤكد هذا التحفيز، خاصة عندما نتحدث عن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، واستقطاب الكفاءات الوطنية المتميزة للعمل في القطاع الخاص، من خلال آليات الجذب، ليس أقلها توحيد منافع التقاعد في النظام التقاعدي الجديد، المرتقب الإعلان عن تفاصيله خلال المرحلة المقبلة.

وختاما.. إنَّ نشر الأمل، وتدعيم التفاؤل في نفس كل مواطن ومواطنة يعيش على تراب هذا الوطن العزيز، مسؤوليتنا جميعا، والحكومة من جانبها اتَّخذت كل ما يُمكن القيام به من خطوات لأجل هذا الهدف، يتبقَّى علينا نحن المواطنين والمواطنات، أنْ نتحلى بقدر من الأمل والتفاؤل، عبر تكاتف الجهود لتحقيق أهداف "الثلاثية": ميزانية 2021، وخطة التنمية الخمسية العاشرة، والرؤية المستقبلية "عُمان 2040".