"إغلاق الكوكب".. "كورونا" يمنح الأرض الهواء النظيف لـ"فترة وجيزة" في 2020

ترجمة- الرؤية

"مصائب قوم عند قوم فوائد".. ربما تنطبق هذه العبارة على علماء المناخ الذين أبدوا سعادتهم واندهاشهم- في الوقت نفسه- من النتائج البيئية التي تحققت خلال فترة الإغلاق العام التي فرضتها تقريباً جميع دول العالم، خاصة الدول الصناعية الكبرى.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة ذا جارديان البريطانية، فقد أعرب هؤلاء العلماء عن افتتانهم بمراقبة ما أطلقوا عليه "تجربة غير مقصودة" على نطاق عالمي لخفض الأضرار البيئية، وتساءلوا إلى أي مدى سيستجيب نظام الأرض لأشد تباطؤ في النشاط البشري منذ الحرب العالمية الثانية؟ وبعد مرور عام تقريبًا على تسجيل أول إصابة بفيروس كوفيد 19، جاءت الإجابة على هذا التساؤل بأنه "غير كافٍ". ويقول الخبراء إنَّ الوباء ربما فاقم بعض المشاكل البيئية بدرجة أسوأ، على الرغم من أنه ما زالت هناك نافذة ضيقة من الفرص لأمر جيد ينتج عن أمر سيئ، في حالة استخدام الحكومات لحزم التحفيز الاقتصادي لتعزيز الانتعاش الأخضر.

وخلال فصل الربيع في نصف الكرة الشمالي، عندما وصلت القيود لأقصى درجاتها، تراجعت الأنشطة البشرية إلى مستوى لم يشهده العالم منذ عقود؛ فانخفضت الرحلات الجوية إلى النصف، وتراجعت حركة المرور على الطرق في المملكة المتحدة بأكثر من 70%، كما انخفضت الانبعاثات الصناعية في الصين، أكبر مصدر للكربون في العالم، بنحو 18% بين أوائل فبراير ومنتصف مارس، حيث انخفضت بمقدار 250 مليون طن من الكربون. وانخفض استخدام السيارات في الولايات المتحدة بنسبة 40%.

غير أن "فترة الراحة" تلك كانت قصيرة جدًا في مواجهة عقود من الدمار، لكنها أيضاً قدمت لمحة عن حالة العالم في حالة خلوه من الوقود الأحفوري وإعطاء مساحة أكبر للطبيعة. ولم يكن لدى المهتمين بالحياة البرية وقت لاستعادة الأراضي المفقودة، لكن كان لديهم مجال للاستكشاف. فإلى جانب الصور المروعة للطرق المهجورة خلال الإغلاقات، ضجت شبكة الإنترنت لفترة وجيزة بمقاطع مؤثرة للأغنام في ملعب مهجور في مونماوثشاير بويلز البريطانية، وذئاب القيوط (ذئاب البراري) على جسر البوابة الذهبية في سان فرانسيسكو الأمريكية، بينما انتشرت الخنازير البرية في شوارع برشلونة الإسبانية، إلى جانب صور الغزلان وهي ترعى في مكان ليس ببعيد عن البيت الأبيض في واشنطن العاصمة. كما تفتحت الأزهار البرية على جوانب الطرق مع تراجع وتيرة قطع الحواف بسبب قلة مرور السيارات.

وفي جنوب العالم، كانت الصورة أكثر اختلاطًا؛ حيث انخفض الصيد الجائر لحيوان وحيد القرن في تنزانيا بسبب تعطل سلاسل التوريد والقيود المفروضة على التحركات عبر الحدود، لكن تزايد صيد الحيوانات في الأدغال والاستفادة من لحومها، إلى جانب جمع الحطب بطريقة غير قانونية، والتوغلات في المناطق المحمية في الهند ونيبال وكينيا، حيث فقدت المجتمعات المحلية الدخل السياحي وسعت إلى طرق أخرى لرعاية عائلاتهم.

وفي أماكن أخرى، تحققت مكاسب صحية، وإن لم تكن كافية على الأرجح لتعويض الخسائر. فرغم ارتفاع عدد وفيات كوفيد في أوروبا، تراجع إجمالي الوفيات الناجمة عن تلوث الهواء بما لا يقل عن 11000 حالة. وأدى استنشاق هواء أنظف إلى تقليل إصابة الأطفال بالربو بحوالي 6000 طفل، وتجنب 1900 زيارة لأقسام الطوارئ في حالات الضرورة القصوى، و600 حالة أقل من الولادات المبكرة.  وفي المملكة المتحدة، فإن 2 مليون شخص من مرضى الجهاز التنفسي عانوا بصورة أقل من الأعراض.

وجرى توثيق ذلك التغير من الفضاء؛ حيث التقطت الأقمار الصناعية تراجعاً واضحاً في أحزمة الضباب فوق ووهان في الصين وتورينو في إيطاليا. وكان بإمكان المقيمين في العديد من المدن رؤية الفارق أيضًا. ففي كاتماندو بنيبال، اندهش السكان عندما اكتشفوا جبل إيفرست لأوَّل مرة منذ عقود. وفي مانيلا، أصبحت قمم الجبال مرئية مرة أخرى.

لكن المكاسب لم تدم طويلا، فبمجرد أن خفت قيود الإغلاق، عادت حركة المرور مرة أخرى، وكذلك تلوث الهواء. وفي دراسة استقصائية شملت 49 بلدة ومدينة بريطانية، تبين أن 80% منها وصلت إلى مستويات تلوث الآن بنفس أو أسوأ مما كانت عليه قبل الوباء. وفي أماكن أخرى، تتلاشى في الذاكرة مشاهد قمم الجبال البعيدة والحيوانات البرية.

تعليق عبر الفيس بوك