شارع بألف شارع!

مدرين المكتومية

أجمل الصباحات هي صباحات الشتاء البارد، نسمات من الهواء العليل، قطرات من الندى تعلو أسقف الأشياء، روائح الطبيعة الحقيقية، الأشجار والأتربة ورائحة البن التي تسكن مقاهي القهوة، كل ذلك لا يمكن استشعاره فعلياً إلا في صباحات أواخر أيام ديسمبر ونحن نستعد لاستقبال يناير بكل حب واهتمام.

عندما أتحدث عن الشتاء والجمال، فإنَّ أول الأماكن التي تحضرني فعلاً هو "شاطئ القرم" أو ما تمَّ تسميته بــ"شارع الحب" ذلك الشارع الذي يُمكن القول إنه من أجمل شوارع مسقط على الإطلاق، حيث التمازج بين الطبيعة والحداثة، الشارع الذي يعشقه الكثيرون دون سبب، وعندما نحب الأشياء بلا سبب فإننا نحبها بصدق، فالأشياء الصادقة هي التي لا نعرف أسباب تعلقنا بها.

وهذا المكان البديع الذي يجذب الكثير من الناس إليه، لازال يعيش تحت مفهوم النقص، نقص ليس في الخدمات بل نقص في استغلال بعض الأماكن المتوقفة فهناك كافيهات توقفت لأسباب أو لأخرى، ولكن من غير المجدي ألا تحرك بلدية مسقط أي ساكن في شأن هذه الكافيهات التي تقع في أهم مكان في العاصمة مسقط، تلك التي يمكن من خلالها إعادة الحياة لها بعد أن طمرها الغبار وغيَّر من ملامح جمالياتها وأكلها الصدى فهل من المنطق أن نرى تلك المباني الجميلة وهي تفقد جماليتها بسبب الإهمال وعدم الاكتراث...؟ أيعقل أن البلدية لا تنظر لهذه الأماكن بعين الاعتبار وهي تقع في أهم شوارع عُمان الحيوية، أيعقل أن المسؤولين والجهات المعنية لم يلتفتوا أبداً لمثل هذه الأماكن، ولم يفكروا في الكيفية التي يمكن من خلالها إعادة فتح أبوابها خاصة في هذا التوقيت من فصول السنة وأكثرها جمالاً ورغبة في البحث عن هذه الأماكن. وها هي الأيام والسنون تمضي دون أن يتحرك شيء.

وإذا ما كانت هناك أي مشاكل تخص هذه المقاهي فيجب ألا تأخذ أكثر من شهرين في حلها، ويجب أن يكون هناك تدخل مُباشر من الجهات المعنية في البحث عن حلول، لأنَّ ذلك سيساهم أولاً في توظيف عمانيين، ولربما أعطى الفرصة لأحد الشباب لإدارتها والاستفادة منها، وإفادة المجتمع أيضاً في الجانب الآخر، ومن خلال الاطلاع نجد أن العمانيين أثبتوا جدارتهم في الإدارة الخاصة بمشاريع مختلفة، ولديهم القدرة على إدارة كافيهات كهذه، خاصة وأن المكان يُسوق لنفسه.

عندما نتحدث عن جماليات هذه المنطقة بالتحديد، فهناك الكثير من العوامل التي جعلت منها مكانا جاذبا، فلربما ليس كل النَّاس على دراية بأن هذا المكان يعد من أقدم الأماكن التي استوطن فيها الإنسان في الجزيرة العربية، كانوا يأتون من كل مكان على جمالهم وبمختلف قبائلهم مرة في السنة ليكونوا في هذه المنطقة الساحرة التي يلتقي فيها بحر عُمان ببحر العرب، فعندما تحدثت في البداية عن عشق دون أن ندرك أسبابه، فهذا أحد الأسباب التي يمكن أن يعشق بها شخص هذا المكان، فهناك تاريخ أيضاً بعيد عن مظاهر الحضارة التي جعلت منه أيقونة من الجمال الساحر.