المال كان "الإستراتيجية الأفضل" للحماية.. ولا يزال

"كورونا" يواجه العالم بندوب "العدالة الضائعة" في "مرآة الوباء"

◄ لا تعافي بدون مساواة وعدالة لصون حق الجميع في الحياة

◄ ديفي سريدهار: وعود مبادرة كوفيكس "تبخرت"

ترجمة- الرؤية

"إذا كُنت تريد إجراء تجربة على الأرض لفهم السلوك البشري، فإنَّ الوباء سيكون فرصة مثالية".. هكذا صدَّرت البروفيسورة ديفي سريدهار رئيسة الصحة العامة العالمية بجامعة إدنبرة الأسكتلندية بالمملكة المتحدة، مقالها المنشور على صفحات "ذا جارديان" البريطانية، وعنونته بـ"كوفيد 19 أظهر أنَّ الصحة الجيدة لا تتعلق فقط بعلم الأحياء".

ديفي سريدهار.jpg
 

وأوضحت سريدهار أنَّ الأمراض المعدية يمكن أن تربطنا ببعضنا البعض أو تفرقنا، وتدرك البلدان منخفضة الدخل ذلك الأمر جيدًا؛ فالكثير منها يواجه تفشِّي الأمراض المعدية كل عام، لكنَّ الدول الأكثر ثراءً مثل بريطانيا لا تزال تدرك -بصُورة مؤلمة- أنَّ الفيروس لا يهاجم جسم الإنسان فقط "إنه يحمل مرآة أمام نقاط الضعف الوطنية ويدمر المجتمع والاقتصاد".

ففي جميع أنحاء العالم، أدى الوباء إلى تنافس البلدان على جداول تصنيف معدلات الوفيات، بينما كانتْ تحاول بالمقابل إنقاذ اقتصاداتها والتعامل مع الموجات المتتالية من هذا المرض. وفي فبراير ومارس، كان لدى الحكومات الأوروبية مخزونات محدودة من معدات الوقاية الشخصية، وأجهزة التنفس الصناعي، والأكسجين، والكواشف غير المتوفرة لمختبراتها، والمنشطات والأدوية التجريبية. واتُّهمت الولايات المتحدة بسرقة أجهزة التنفس الصناعي من باربادوس، ومعدات الحماية الشخصية من ألمانيا، واشترت حقوق ريمديسيفير؛ مما حد من الإمداد المتاح للبلدان الأخرى.

وفي جمعية الصحة العالمية في مايو، التزمت الحكومات بمشاركة المنتجات البحثية والعمل الجماعي للتصدي لكوفيد 19. ولكن عندما واجهت الحكومات قرارات صعبة بشأن كيفية تقاسم الموارد، انهارت وعودها بالتعاون.

ولفتت سريدهار إلى أنَّ "كوفيد 19" بمثابة اختبار لمصلحتنا الذاتية، كأفراد وأمم، متسائلةً عن المسؤولية التي تدين الدول الأكثر ثراءً تجاه دول العالم النامي، عندما يتعلق الأمر بضمان التوزيع العادل للقاح؟ ففي وقت سابق من هذا العام، تعهدت 171 دولة بالمشاركة في مبادرة كوفكس، التي تهدف لدعم التطوير والتوزيع العادل لملياري جرعة لقاح قبل نهاية عام 2021. ولكن عندما أثبت اللقاح الأول نجاحه، تمَّ تصنيعه بواسطة فايزر وبايونتك، واشترت البلدان الأكثر ثراءً 80% من جرعاته!!

وفي الواقع، وجد أحد التحليلات التي أجرتها منظمة أوكسفام أنه حتى لو نجحت جميع اللقاحات الخمسة الأكثر تقدمًا، فلن يكون هناك لقاح كافٍ لمعظم سكان العالم حتى العام 2022.. فمن يدفع أعلى سعر يكسب، ولقد حاولت منظمة الصحة العالمية التحذير من هذا النهج القومي، ولكن في النهاية لا ترقى الكلمات والتعهدات إلى أي شيء ما لم يتبعها فعل.. فالمال والقوة هما الأهم.

وفي سياق إنسانيٍّ بعيدًا عن السياسية والاقتصاد، طرحت رئيسة الصحة العامة العالمية بجامعة إدنبرة الأسكتلندية بالمملكة المتحدة، نفس الأسئلة بشأن الأنانية في الالتزام تجاه بعضنا في خلال فترة التوقف الجزئي للحياة في بقاع العالم المختلفة.. وقالت: "أدى الوباء إلى تقسيم العائلات والأصدقاء والجيران حول ما إذا كانوا على استعداد لتغيير القواعد لتلبية رغبات الأفراد، أو تقديم تضحيات مع وضع الآخرين في الاعتبار". وانعكست ردود الفعل المختلطة على العطلة الصيفية، حيث قرر البعض السفر إلى دول أخرى، مع خطر نقل الفيروس معهم، بينما بقي آخرون في مكانهم. وفي بعض المدارس، تم إرسال مجموعات كاملة من الأطفال إلى المنزل لعزلها؛ لأن أحد الطلاب كان في إجازة في الخارج وقرر أبواه عدم اتباع قاعدة الحجر الصحي لمدة 14 يومًا.

كما سلطت سريدهار الضوء على العديد من اللحظات المشرقة من نكران الذات في العام 2020؛ حيث قدم الكثير من الأشخاص تضحيات شخصية ضخمة، ليس أكثر من العاملين الصحيين الذين وضعوا حياتهم في خطر لعلاج المرضى الذين يحتاجون رعاية؛ قد حضر الكثير منهم للعمل في المستشفيات في مارس وأبريل بدون معدات الوقاية الشخصية الكافية، وفي أماكن أخرى، وضع سائقو الحافلات، وحراس الأمن، والعاملون في مجال الرعاية الاجتماعية، وعمال النظافة، وعمال البقالة، ومجموعات المساعدة المتبادلة، والمعلمين، احتياجات إدارة المجتمع فوق صحتهم ورفاهيتهم.

ومن بين جميع الدروس التي تعلَّمناها من هذا الوباء -بحسب ما ذهب إليه مقال سريدهار- أنَّ الأهم هو مدى تفاوت آثاره؛ فقد اتضح أن المال كان أفضل إستراتيجية حماية من الفيروس التاجي؛ فمع ازدحام الفقراء في مساكن ضيقة، لجأ الأثرياء إلى ملاذات بلادهم؛ مما يشير إلى الدور الأساسي لعدم المساواة الاجتماعية وظروف السكن والمهنة في تفشي الجائحة بين المعدمين.

وشدَّدت سريدهار على أنه "يجب أن يركز تعافي مجتمعنا من هذا المرض على بناء مجتمعات أكثر مساواة وعدالة؛ حيث يتمتع الناس في جميع أنحاء العالم بإمكانية الوصول إلى الحماية من المرض والوصول إلى اللقاحات. والآن وفي نهاية 11 شهرًا مرهقة، تركت كلمات أبراهام لنكولن في ذهني: لقد أظهر الوباء أننا بحاجة إلى "حكومة الشعب، من الشعب، من أجل الشعب"، وليس فقط حكومة للنخبة الثرية.. رُبَّما يكون هذا هو أقوى إرث لـ"كوفيد 19".

تعليق عبر الفيس بوك