عن الفكر ونهاية الحياة

 

جيهان رافع

ليتَ الإنسانَ يقتنعُ بأنّ الله خلقه كي يعيش بسلام وليس ليُحاسِب النَّاس ويضع لهم قوائم يرتبهم بها على حسب قناعاته.

في إحصائيات لا نعلم دقتها من العالم كل 40 ثانية ينهي شخص ما حياته فلماذا يختار الإنسان إنهاء حياته وما الدوافع والأفكار التي توجه زوبعتها إلى تفكيره؟ فتقتلع منه الأفكار السليمة وتخلّف مكانها الدمار للفكر وتدفعه للسقوط في قاع السوداوية.

تأتي في مقدمة قائمة الدوافع "الحروب الأهلية، الاكتئاب، اليأس من علاج الأمراض المزمنة، وخاصة تلك الأمراض التي لا يشعر بها إلا صاحبها فهي قادرة على تفتيت رغبة الإنسان بالاستمرار على نمط الحياة العاطلة عن الحركة مثلا أو التي تتوقف بها قدرة الإنسان على تناول أغلب أنواع الأكل ومُمارسة حياة طبيعية يشبع بها رغبات الذات من العاطفة والجوع والمشي والحركة الطبيعية.

ما هي أقصر طرق الإنقاذ حسب الطب النفسي؟ لتلك الحالات يأتي العلاج الأول هو الإشباع العاطفي وكما قال عبد الرحمن الشرقاوي في مسرحيته: "الكلمة نور وبعض الكلمات قبور". ثم تأتي التغطية الإعلامية لحالات الانتحار فمثلًا جاء في الأدبيات العالمية أوبرا "الناي السحري" لموتسارت حيث صوّر بها صياد الطيور "باباجينو" على أنَّه شخص ينتابه الشعور المائل لإنهاء حياته وكان للناي السحري والأجراس الصغيرة المرافقة له الفضل الأكبر في عدم استسلامه لفكرة الانتحار.

تقول منظمة الصحة العالمية: إنَّ تقارير الإعلام وتسليط الضوء على أساليب الانتحار وأسبابه التي تشفع للمنتحر وتجعل التعاطف معه يغلب التذمر منه هذا يُؤدي إلى انتهاج بعض الذين يفكرون بالانتحار نفس الأساليب.

لا شكّ أنَّ كل شخص لديه الدوافع الحقيقية سيقدم على نفس الفعل من دون التراجع والرجوع إلى أحد.

والسؤال يبقى، ما الذي تقوم به المنظمات لدرء تلك الحالات بقدر المستطاع؟ وما الذي يفعله المجتمع والأقارب والأشخاص الذين وُجدوا في حياة الشخصية المالكة للدافع؟ هل فكروا في كيفية استيعاب تلك الأفكار والعمل على إنهاء مُعاناة الشخص؟ أم أنَّ وقوفهم في الحياد غير الإيجابي وتركه لمصير أفكاره؟.

إنّ  الذي لمسته وبالتأكيد يلمسه المثقفون والنبلاء بضمائرهم في تصرفات الأغلبية بعد قيام الشخص بإنهاء حياته هو ظهور نفس الأشخاص الذين كان بإمكانهم التوصل إلى حل مشكلته هم ذاتهم يضعونه في الدائرة السوداء بعد قيامه بإنهاء حياته ويضعونه في قائمة الذين يستحقون الدخول إلى الجحيم على حسب تعبيرهم وتفكيرهم، من دون أن ترف لهم عين الندم ومن دون أي عطف أو على الأقل السكوت وعدم إثارة الضوضاء والآراء المُسيئة له، فليتهم يقتنعون بأنَّ كل شخص في هذا العالم يُحاسب على حسب أفعاله ولن يُحاسب أيّ شخص غيره، فما لهم وما عليهم إلّا أن يكفوا عن مضايقة روح المُنتحر أو الحي المقرّب منه فربما بكلامهم السيئ عنه سيجعلون شخصًا آخر يقوم بنفس الفعل كي يتخلص من كلام النَّاس الذي سيكون له وقع الرصاص على الجسد فإنّ رصاص الكلمات أشدّ فتكًا من رصاص البندقية فالأول يقتل الإنسان آلاف المرات وهو حي والأخير يقتل الإنسان مرة واحدة.