حملة لنصنع في عمان

 

ناجي بن جمعة البلوشي

تابعت حالي كحال بقية من لفتتهم الإعلانات والزخم الإعلامي الذي صاحب حملة دعم المنتج العُماني وتعريفه للمستهلك في عدة مواقع من مواقع محافظات السلطنة الحبيبة والتي أطلق عليها حملة "صنع في عمان" لتشد وتلفت انتباه المواطن أكثر من كونه مستهلكاً بالشد على عامل الوطنية.

وعلى الرغم من أنها كانت حملة للتعريف بالمنتجات العمانية ووضعها في صورة واضحة أمام المستهلك الكريم إلا أنها في نظري وربما في مقاييس أخرى عند من يملكون التفكير لا تتعدى حقيقتها سوى التسويق لتلك المراكز التجارية الرأسمالية ودعمها والترويج لزيارتها والوصول إليها والشراء والتبضع منها- مع وجود خيار المُنتج العُماني- من بين مئات الآلاف من المنتجات غير العمانية. ولأننا لا نريد أن نضع المسؤولين عن تلك الحملة خارج نطاق الشكر والثناء لما قدموه في وضع مثل تلك الخطط القديمة والباهتة، فإننا نقدم لهم كل أوجه الشكر لما قدموه وتعودوه واعتادوا عليه في أروقة تلك الوحدات الإدارية والتي لا زالت ترضخ تحت وطأة الماضي من الحلول، كما ليس بودنا أن نضع بين أيديهم أي نوع من أنواع الحلول لأنها لاتجد آذانًا صاغية ولا رأياً مقبولاً؛ هذا لأنَّ المختصين اعتادوا على مثل تلك الطرق البسيطة التي يقدرونها على أنها عظيمة وهي غير ذلك لكنهم يقدرونها بـ"العظيمة"!

فلماذ مثلاً لم تشمل تلك الحملة كل المراكز التجارية في عمان أياً كانت أنواعها وأحجامها ومواقعها؟ أو لماذا لم تصل المنتجات العمانية حسب أنواعها إلى كل المحال والمتاجر المتخصصة في بيع نفس النوع من المنتج؟ أو لماذا لم تشتمل الحملة كل طرق الحداثة الإلكترونية والإعلامات الصوتية والمرئية وأكتفت فقط بنقل الأخبار عن الحملة لا عن المنتجات نفسها؟.... إلخ.

وفي هذا المقال كان لي تطلع آخر غير هذا الذي كنت في انتقاده، وهو عبارة عن تساؤل نطرحه على المختصين مجدداً؛ فنقول: كيف يمكن لنا أن نصنع ثقافة جديدة لدى الصُنّاع والمستثمرين في القطاع الصناعي وغيرهم من المستثمرين لحثهم على التوجه إلى الاستثمار في الصناعة وتنشيطها في عُمان؟ وهذا ما نرغب فيه من خلال تدشين حملة جديدة نطلق عليها "لنصنع في عُمان"، هذا طبعاً يكون ممكناً إذا كانت رغبتنا الحقيقية بوجود منتج نطلق عليه منتج "صنع في سلطنة عُمان" أو وجود شركات واستثمارات صناعية ضخمة. وللوصول إلى هذا الهدف يستوجب علينا اتخاذ ما لم تعتده روتينياتنا المعتادة في تلك الوحدات الإدارية، فحملتنا هذه مختصة في كسر جمود القوانين والتشريعات وفصلها بأفكار مستحدثة أو بالأحرى شق طريق صناعة الصناعة في عُمان.

فجلوسنا مع المستثمر الصناعي سيعطينا كل الوضوح في ما يحتاجه، ومنها ننطلق لسد كل تلك الثغراث واستبدالها بنماذج مستحدثة تنفعنا نحن في عُمان؛ فالمستثمر يحتاج إلى أرض صناعية مستوية لا تكلفه كل رأس ماله في تسويتها لتكون صالحة لإقامة مصنعه عليها، الخدمات المقدمة من شركات الكهرباء يجب أن تكون أسرع من تلك التي تقدم للمنازل والبيوت، كما أن الخدمات الأخرى المقدمة له كالمياه والغاز أو كل أنواع الخدمات التي تحتاجها المصانع لا بُد أن تكون أسرع مما هي عليه اليوم بفارق خيالي. إن هذا المستثمر يحتاج إلى قوانين مرنة خاصة به ومختلفة عن تلك المتواجدة في وزارة العمل والمتشابهة مع كل أنواع الأنشطة والاستثمارات؛ هذا لأنه سيعاني لأكثر من خمسة أعوام قادمة في صناعة المنتج وتسويقه في البلاد أولاً ثم سيبدأ الاستفادة الحقيقية مما أنتج. كما إنَّ جهات الصيرفة والتمويل عليها أن تغير قوانينها وسياساتها تجاه المستثمرين الصناعيين ولا تساويهم مع كل القوانين التي معها في باقي الأنشطة الاستثمارية؛ فتجارة التجزئة مثلا تعود بالحركة في الحسابات البنكية فور الانتهاء من المبنى واستلام المواد، بينما الصناعيون حالهم مختلف اختلافا شاسعا؛ فهم يحتاجون زمنا طويلا ليصل ما ينتجونه من منتجات إلى المستهلكين والقناعة به كما أنهم سيضعون الكميات الكبيرة من مُنتجاتهم في المخازن وفي أرفف الأسواق.. الصناعيون وحدهم يعلمون الكثير مما يخفيه قطاعهم لذا إذا جلس معهم المسؤولون بتقبل وصدر رحب سيختلف كل شيء في عمان ذو علاقة بقطاع الصناعة، وسنجد المستثمرين يتسابقون إلى هذا القطاع؛ لما فيه من بيئة خصبة تحتاج لاستثمارات وضخ سيولة كبيرة، لكنه الآن متوقف كما هي متوقفة القوانين والتشريعات وأفكار العاملين عليها.