مواقف البلدية تنظيم أم عقاب؟!

 

حمد بن سالم العلوي

 

الأمور التنظيمية مطلوبة ولا خلاف عليها، وذلك عندما تكون في خدمة المُجتمع، أما أن تكون مجرد وسيلة تحصيل قسري للرسوم والغرامات، فذلك أمر يحتاج إلى مُراجعة وإعادة نظر، فلا يُعقل أن تضع السلطة أنظمة لا يفهمها إلا هي والمنفذون لها، وهذا الذي لم توضحه البلدية عندما وضعت نظام المواقف بالأجر، فالمواطن وغيره عرف أنَّه إذا أراد أن يستفيد من موقف ما فعليه أن يدفع رسوماً معينة، أما أن يكون وقوفه مؤقتاً وبقدر أن ينزل غرض أو تحميله، وخلال فترة من دقيقة إلى دقيقتين أو حتى لفترة تصل إلى خمس دقائق، لا أعتقد أنَّ الأمر يحتاج إلى رسوم، ولا يستوجب الأمر مخالفة الفاعل على هذه اللحظات البسيطة، لأنَّه من المعلوم أن هذه المواقف أنشأتها الدولة لخدمة المجتمع فرضتها الضرورة للتنمية وإنعاش الاقتصاد والتجارة.

أثار حفيظتي تصرف حدث الأسبوع الماضي، وجعلني أثير هذا الموضوع بطلب توضيحه ومُعالجته، فهناك شخص ما أوقف سيارته أمام محل تجاري في الغبرة الشمالية، فأنزل كرسياً من سيارته وأدخله إلى محل وتركه وخرج، وذلك في خلال فترة زمنية قد تكون استغرقت دقيقة ولا تصل إلى دقيقتين، وقد فوجئ عندما خرج بأنَّ موظف البلدية يقف عند سيارته، فرآه ينزع ورقة المخالفة من جهازه اللوحي، ويلصقها على الزجاج الأمامي للسيارة، فقال للموظف إنني فقط أنزلت كرسياً وعدت إلى سيارتي، فهل هذا يُعد مخالفة؟! قال إذا تريد اتصل بالبلدية فأنا دونت المُخالفة، إذن ففي هذه الحالة يتوجب على الإنسان أن يضع "تعويذة" على سيارته، وذلك كلما أراد أن يخرج إلى السوق أن يعد تعويذة بمائة بيسة، لأنَّ البحث عن جهاز الدفع، أو إرسال طلب بحجز موقف، قد يستغرق وقتاً أكثر من الوقت الذي يحتاجه لتنزيل غرض والعودة إلى السيارة، رغم أنَّ المرء يدفع رسوماً في التجديد السنوي للسيارة. وقيل ذات مرة إن فلسفة هذه الرسوم، تكون مقابل خدمات الطريق والمواقف الخاصة بالسيارات، فعلى البلدية أن تٌفعِّل نظام التعويذة، وذلك حتى تشمل كل المناطق في مسقط، فكلما نوى الإنسان الخروج من منزله، يُرسل التعويذة حتى يحمي نفسه من مخالفة قد تكون قيمتها عشرات الأضعاف من قيمة حجز الموقف بمائة بيسة.

كما إنه من غير المعقول، ألا يكون للمحلات التجارية مواقف خاصة بأصحابها، فقد تسبب تعميم الرسوم على بعض المواقف، أن أضطر أصحاب تلك المحلات التجارية، إلى توقيف سياراتهم في المواقف المخصصة للمنازل القريبة، وقد سببوا بذلك التصرف إزعاجاً كبيراً لأصحاب المنازل المجاورة، وأذى وتضييقا عليهم في مواقف سياراتهم هم وضيوفهم، إذن من غير المعقول أن تحل البلدية مشاكلها في المواقف على حساب أصحاب المحلات والسكان، فلك أن تتصور الوضع إذا كانت المحلات تقع في عمارة سكنية تجارية، فأين سيوقف سكان العمارة سياراتهم؟! هناك دول تمنع المخالفات إذا كانت المواقف غير متوفرة، والمواقف مسؤولية الدولة وليست من مسؤوليات النَّاس، أم أنكم تريدون تطبيق المثل القائل ذلك الماء فدونك الحبل فاختنقي!!

إنَّ هذا النظام المُتشدد من قبل البلدية، أصبح سبباً في انتعاش المجمعات التجارية الكبرى، وذلك على حساب المحلات الصغيرة، لكونها تمتلك مواقف خاصة بها لا تطالها يد البلدية، إن الأمر الذي نُطالب به أن نعرف الفترة التي يُعد فيها وقوف السيارة لا يشكل مخالفة لنظام مواقف السيارات، فليس الأمر صعباً على من أوجد النظام، بأن يجد له الضوابط التي تمنع ظلم الناس، وفي أوروبا مثلاً إذا مرت دورية الشرطة على سيارة تقف في مواقف بالأجر، يُعَلّم بالطبشور بمحاذاة الإطارات، فإذا رجعوا عليها بعد فترة وجيزة، ولم تتحرك من مكانها، فعندئذ دونوا مخالفة ضدها، وبذلك لن يكون الوقوف ضربة حظ حيث وضعنا اليوم في مسقط، فإذا ما كان حظك طيباً ذلك اليوم ساق لك سوء الحظ المخالفات، حتى لو كان الوقوف لبرهة بسيطة.

إن المواضيع التنظيمية يجب أن تحظى بموافقة مجلس عُمان، فليس مخالفات أو تنظيمات البلدية من الأمور التنظيمية الإدارية الداخلية للبلدية، ذلك لأنَّ هذه المخالفات يترتب عليها غرامات ودفع أموال، وأنا أعتقد أنَّ مجلسي الشورى والدولة عندما يناقشان أي مشروع قانون، سيراعون فيه الوضوح والدقة، وحقوق الناس وليس حق السلطة وحدها، لذلك أطالب بأن تكون الأمور واضحة وجلية، وأن تكون هناك بداية ونهاية في تطبيق النظام، وأن يكون معلوماً للجميع، ويا حبذا لو كانت الأجهزة الآلية هي التي تقوم بتقدير الوقت، فهي أكثر دقة من الإنسان الذي تؤثر عليه العواطف والانفعالات الشخصية، اللهم إني بلغت اللهم فاشهد.