الرؤية المستقبلية والتوازن المالي

حاتم الطائي

◄ خطة التوازن المالي تتزامن مع بدء تطبيق الرؤية المستقبلية الطموحة "عُمان 2040"

توسيع مظلة الحماية الاجتماعية يقلل من التأثيرات المالية على ذوي الدخل المحدود

◄ النجاح المنشود للخطط والبرامج التنموية يتطلب تعزيز القدارت الوطنية

11 يوماً فقط تفصلنا عن بدء تطبيق خطة التوازن المالي، والتي تمثل عمود الخيمة والمرتكز الأساسي لتحقيق الاستدامة المالية بالتزامن مع بدء تطبيق الرؤية المُستقبلية "عُمان 2040"، وكذلك الخطة الخمسية العاشرة، وجاء إقرار عاهل البلاد المفدى حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم- حفظه الله ورعاه- بإطلاق الرؤية المستقبلية، إيذاناً ببدء تنفيذها اعتباراً من يناير المُقبل.

إقرار الخطة يتواكب مع حزمة من الخطط والبرامج الحكومية لحماية ذوي الدخل المحدود والفئات الأشد تأثرا بالتداعيات المالية، لاسيما فيما يتعلق بجوانب الإيرادات والإنفاق في الميزانية العامة للدولة للسنة المالية الجديدة، والتي من المُقرر الإعلان عنها في أول أيام العام الجديد. الواقع أننا متفائلون بخطط الحكومة لتحقيق الاستدامة المالية، وهذا التفاؤل منبعه ليس فقط تخفيف العبء المالي في بنود الميزانية العامة للدولة، خاصة مع تراجع أسعار النَّفط وحالة الركود الاقتصادي التي ضربت العالم بأسره بسبب وباء كورونا، لكن أيضاً بفضل الحرص الحكومي على توجيه الدعم لمُستحقيه، وتوفير كل سبل الحماية الاجتماعية. ولنا أن نُلاحظ  ذلك في آخر اجتماعين لمجلس الوزراء الموقر برئاسة جلالة السُّلطان المعظم- أبقاه الله-؛ ففي الاجتماع الذي عُقد في الثالث من نوفمبر الماضي شدَّد جلالته- حفظه الله- على أنَّ السلطنة تواجه مثل غيرها من دول العالم تحديات اقتصادية ومالية ينبغي مواجهتها من خلال اتخاذ إجراءات تعزز وتحسن من المالية العامة، ومن هذا المنطلق تأتي أهمية خطة التوازن المالي متوسطة المدى والتي تطبق على مدى السنوات الأربعة المُقبلة. والمؤكد كذلك أنَّ هذه الخطة ستعمل على تحسين التصنيف الائتماني لنا، وتُحقق مستويات آمنة من الاستقرار المالي، فضلاً عن دورها في تهيئة بيئة جاذبة للاستثمار، فضلاً عن تنشيط وتنويع الموارد المالية، ودعم نمو الناتج المحلي الإجمالي.

الشاهد أيضاً أنَّ تأثير خطة التوازن المالي سيكون محدوداً على المواطنين ذوي الدخل المحدود وأسر الضمان الاجتماعي، وذلك تنفيذًا للتوجيهات السامية في هذا الإطار، خاصة وأنَّ جلالته يولي أشد الحرص لضرورة مراعاة التأثيرات الاقتصادية على المواطنين، ولذلك صدرت التوجيهات بتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية، سواء من خلال برامج الضمان الاجتماعي، أو صندوق الأمان الوظيفي، وكذلك توحيد أنظمة التقاعد، بما يُحقق مبدأ المساواة بين الجميع.

غير أنَّه في المُقابل، يبدو ثمَّة دور مهم وأصيل للقطاع الخاص في تعزيز منظومة الحماية الاجتماعية، من خلال التوسع في برامج ومشاريع المسؤولية الاجتماعية، فضلاً عن زيادة الجهود لتوفير الوظائف للشباب، ومن ثمَّ خفض معدلات الباحثين عن عمل، وكل ذلك يمكن أن يتحقق في إطار الرؤية المُستقبلية "عمان 2040"، خاصة وأنها تستهدف تنمية القطاعات الواعدة، والتي بدورها ستُوفر العديد من الوظائف. كما ينبغي في مسارٍ موازٍ أن تعمل الحكومة على تسهيل الإجراءات وتشجيع الاستثمارات عبر قوانين محفزة وجاذبة، وهذا ما نراه يتحقق مع تطبيق الرؤية المُستقبلية. وما تتضمنه الخطة من مبادرات وبرامج لن يكون لها التأثير الكبير على المواطنين من ذوي الدخل المحدود وأسر الضمان الاجتماعي، وذلك بفضل إرساء وتعزيز منظومة الحماية الاجتماعية، مع الوضع في عين الاعتبار أهمية تسهيل الإجراءات وتشجيع الاستثمار وضرورة النهوض بالقطاع الخاص وتنمية قطاع السياحة والقطاعات المولدة لفرص العمل للمُواطنين.

لكن ما الذي يتعين علينا القيام به من أجل تنفيذ هذه الرؤية بنجاح وعلى الوجه الذي نطمح له جميعنا؟ هذا سؤال بالغ الأهمية، وقد أجاب عنه اجتماع مجلس الوزراء الموقر برئاسة جلالة السلطان الأسبوع الماضي، وهو أنَّ نجاح تنفيذ هذه الرؤية مسؤوليتنا جميعاً، كل في نطاق اختصاصه، فهي مسؤولية القطاع الخاص ومؤسسات الدولة، والشركات الحكومية، والأفراد، ومؤسسات المجتمع المدني، والمؤسسات الأهلية، وغيرهم.. المسؤولية تشاركية كما كان وضع الرؤية عملاً مشتركًا جمع كل فئات وأطياف المُجتمع، من خبراء ومتخصصين وأكاديميين، ورجال أعمال، وموظفين، وطلاب، وقطاع خاص، ومؤسسات مصرفية، ومؤسسات صغيرة ومتوسطة، إلخ..

ومن هنا ينبغي لهكذا جهد وطني وتوافق مجتمعي، أن يجد طريقه نحو التنفيذ المُتقَن، الضامن لمُقومات النجاح، والمرتكز على أسس من الاحترافية في العمل والجودة في تنفيذه. كما يستلزم هذا التنفيذ الناجح تسخير الجهود والموارد كافة، علاوة على تطوير التشريعات، وخاصة ذات الصلة بالاستثمار وتنمية القطاع الخاص، وتسريع وتيرة إنجاز الخدمات، من خلال دعم التحول الإلكتروني، وتطبيق المعنى الشامل للحكومة الإلكترونية. النجاح المنشود لخطة التوازن المالي والرؤية المستقبلية يتطلب أيضاً العمل على تطوير المناطق الاقتصادية والخاصة، وفي ظل إعادة الهيكلة ودمج هذه المناطق تحت إدارة واحدة، فإنَّ مشاريع كبرى سترى النور خلال السنوات القليلة المٌقبلة، ومن ثمَّ توفير الوظائف وتعزيز القدرات الوطنية من خلال برامج التدريب والتأهيل المصاحبة لافتتاح هذه المشاريع، والاستفادة المثلى من الخبرات الأجنبية في تطوير أبنائنا الراغبين في العمل بكل إصرار وحرص على الإتقان.

وختامًا.. إنَّ الجهود الرامية لتحقيق التوازن المالي واستدامته، يجب أن تلقى كل الدعم من جميع أفراد المُجتمع، فهذا هو الوقت الحقيقي الذي يحتاج فيه الوطن للُحمة المجتمع وتماسكه، ومشاركته في إنجاح المسارات التنموية التي تواجه تحديات غير مسبوقة، وإننا لعلى يقين بمدى وعي ويقظة شعبنا الأبي في مواجهة التحديات، فلنكن جميعًا عونًا لكل جهد يستهدف خير ونماء هذا الوطن العزيز، وبما يُحافظ على الاستقرار والمكتسبات التي نجني ثمارها على مدى 5 عقود من التنمية الشاملة والمستدامة.