أرض زنجبار.. كما أرادها العمانيون

حمود بن علي الطوقي

على مدار اليومين الماضيين تداول ناشطون في شبكات التواصل الاجتماعي هنا في السلطنة وفي دول مجلس التعاون الخليجي، مقاطع مصورة عن زيارة الرحالة الكويتي واسمه محمد الميموني لجزيرة زنجبار؛ حيث استطاع أن ينقل في حسابه عبر سناب شات طبيعة الحياة في جزيزة زنجبار، التي يزورها لأول مرة، ليكتشف وهو يتجول في أزقَّة زنجبار حقيقة لم يكن يعلمها من قبل عن الوجود العماني في شرق إفريقيا.

مقاطع الرحالة الكويتي محمد الميموني انتشرت بسرعة البرق لتعيد فتح الجروح الملتئِمة، خاصة تلك الجروح التي ما زالت زنجبار تمثل لها الكثير لارتباطها الوجداني وامتدادها التاريخي. المقاطع التي نشرها الرحالة الكويتي أعادت إلى الأذهان الحلقات التلفزيونية التي كانت تبث عبر الفضائية العمانية من إعداد وتقديم الإعلامي المخضرم محمد المرجبي، الذي استطاع أن يوثق ويهدي أرشيف تليفريون سلطنة عمان مادة أدبية توثيقية عن طبيعة الوجود العماني في شرق إفريقيا ودول البحيرات العظمى.

المقاطع التي بثها الرحالة الكويتي كانت صادمة بالنسبة له؛ كونه يتعرف لأول مرة على الوجود العماني والتاريخ العماني الموغل في العمق؛ وذلك بلقاءاته مع عدد من الأخوة العرب، أكتشف أنهم عمانيون بلباسهم التقليدي وبمحافظتهم عن هُويتهم وأصولهم العمانية، وما رصدته عدسته أثناء هذا التجوُّل من هنا وهناك في أزقة وأسواق وشوانب (المزارع) في زنجبار، اتضحت له حقيقة هذا الارتباط الأزلي ورغبة عدد من التقى بهم في العودة إلى أرض الوطن.

ما جعلني أعتصر ألما عندما وجه سؤالا لأحدهم عن زيارته لبلاده عمان؛ فكان رده أنني أزور عمان عندما أحصل على فيزا.

حقيقة.. إن الرحالة الكويتي الشاب محمد الميموني، ولا أعرفه، أعاد للأذهان ذلك التاريخ العماني الإمبراطوري الموغل في القدم، عندما اكتشف وهو يصور أول سفير عماني زار الولايات المتحدة الأمريكية في القرن السابع عشر الميلادي وهو السفير أحمد بن النعمان الكعبي، ليؤرخ وينقل للعالم مكانة التاريخ العماني في شرق إفريقيا، والتي تأسست على يد الإمام أحمد بن سعيد -رحمه الله- وامتدت في التَّوسع والامتداد حتى بلغت شرق إفريقيا على يد السلطان سعيد بن سلطان -غفر الله له- ناشرا رايات عُمان في مجاهل البحر ومفاوز البر، ناشرا الإسلام والأمان والطمأنينة، وباعثا مشهد القوة الذي يليق بإمبراطورية تسيّدت البحار، وصارت أهم الحضارات عبر السواحل الطويلة.

هذا المقطع المصوَّر أعاد للأذهان الرحلة التي قام بها الرحالة السعودي محمد بن ناصر العبودي في الخمسينيات من القرن الماضي وزار خلالها جمهورية بوروندي، والتقى في هذه الرحلة بوالدي الشيخ علي بن محمد بن سالم الطوقي رحمه الله؛ حيث كان من أعيان العرب العمانيين الذين يقيمون في هذا البلد، وتجول معه بسيارته؛ حيث تعرف على هذا البلد، وسبب هجرة العمانيين، وتفاجأ بأن الوجود العماني في هذه البقعة من الأرض الإفريقية يعود لنحو خمسة عقود من الزمن، ووثق هذه الرحلة بكتاب ضخم يعد من أجمل الكتب في أدب الرحلات وعنوانه: "في إفريقيا الخضراء".

خلال هذه الفترة، وخلال هذا العصر، تتجول عدسات الرحالة العرب في مختلف بقاع الدول الإفريفية، وتبرز الشخصية العمانية في رحلات المستكشفين والصحفيين، الوجود العماني وعلاقة عُمان بدول شرق إفريفيا.

هذا المدُّ الإمبراطوريُّ لعله يعود من جديد، على يد المقام السامي لصاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- وهو حفيد هذه الإمبراطورية التي تلقي بظلالها، وروح كينونتها، ومهارة تأثيرها، ونبل مقاصدها من جديد كلما جاء ذكر الوجود العماني الذي يصل لأقاصي دول شرق إفريقيا، إلى زنجبار وما خلفها، وإلى دول البُحيرات العظمى (رواندا وبوروندي وزائير وكونجو)، وإلى مقديشو وجزر القمر والصومال، هذه الدول التي كان العمانيون يذهبون مشمولين بالسلام والبحث عن الرزق الحلال، يأخذون عائلاتهم ويستقرون هناك، يفتحون أبواب الرزق لهم ولغيرهم، فطاب لهم المُقام، وصارت لديهم الحياة المستقرة، والتجارة التي تقيهم الحاجة والفاقة والسؤال؛ وقد امتد الوقت، فانقلبت الحال إلى غير ما كانت عليه، وتبدل النَّاس، وهاجر من هاجر، وبقي من بقي، ثم اشتدّ البأس، حتى تقطعت السُّبل، وما عاد حبل الواقع السري يصلهم بالوطن والأهل ورائحة التراب، وبقيت عروبة اللسان والذاكرة هي الخيط الذي يتمسك بالأمل، لعله يشرق يومًا ما.

كتبتُ في مقالات سابقة عن أهمية النظر من جديد للعمانيين في تلك المجاهل، والصلة التي يمكنها أن تُعيدهم هي استرداد جنسيتهم الأصلية، وأهمية الاستفادة منهم كونهم كوادر يمكن الاستفادة منهم بدلا من جلب عمالة رخيصة تكون العمالة ذات الأصول العمانية وقد تكون الأفضل والأنسب، ولنشعرهم بأنهم عمانيون بجذورهم العريقة.