على خطى قابوس تمضي المسيرة

خالد بن أحمد الأغبري

لقد فارقنا زعيم الأمة والسلام .. القائد الحكيم الأب الحنون جلالة السُّلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -طيب الله ثراه- تاركاً لنا إنجازاته الخيرة المغلفة بروح الإنسانية والكرم المُنبثقة من أصالة فكره وثقافته العميقة وبقي لنا اسمه الخالد فينا الذي فرض نفسه ليكون متفرداً في شخصيته وهيبته وهيئته وملامحه ورجولته وسياسته ونظرته وقراراته ومواقفه وفي الكثير من الجوانب ذات الصلة بمُعطيات الحياة الإيجابية التي تأسست عليها مقومات الدولة الحديثة..

حيث كانت لجلالته رحمه الله بصمات واضحة ونظرة ثاقبة وحكمة حصيفة في مُختلف القضايا وجوانب مكونات النهضة العمانية التي استطاع من خلال قيادته لها بناء حاضرها الذي عمق جذور وتاريخها وأسس مستقبلها السعيد وجسَّد معالمها وملامحها

وشيد إنجازاتها وجعل منها واحة عظمى ترتكز على قيم مثلى وتسير بنهج أعظم .. متفردا في بلورة سلوك العظماء من القادة الأوفياء المخلصين .. فنشأت وبرزت بهمته وقيادته الحكيمة تلك الدولة الحديثة لتكون مثالية في مقوماتها كبيرة في رسم إستراتيجياتها مُتكاملة في منظومة مبادئها عملاقة في تناغم أهدافها متفاعلة في خلق كيانها خلاقة في جمالية تكوينها مهابة في توصيف غاياتها عامرة بروح أبنائها لها من الأقوال ما يُميزها بلغة التفاهم وروح التسامح ومن الأفعال ما يجعلها صامدة أمام تلك التحديات التي تواجه نظرتها الخيرة ورؤيتها المستنيرة وسياستها الرصينة .. وهذه المُعطيات جميعها تعبر عن دور كبير وثقافة متجددة ومعرفة متأصلة وعلاقات متجانسة ونظم قيادية وإدارية عالية ترافقها الهمم وتصاحبها القيم وتبلورها تلك الصورة المثالية التي تكونت من خلال ما أفرزته نهضة عُمان الشامخة والمتكاملة في نظامها وواقع مسؤولياتها تجاه نسيجها الاجتماعي وعلاقتها مع أشقائها وأصدقائها ورقي تعاملها ومصداقيتها في عطائها وسخائها ضمن أهدافها وغاياتها المتكاملة في صون مكتسباتها وحماية مصالحها وهي تحترم الآراء وتقدر المشورة وتتفاعل مع من يُقدر نظرتها ورؤيتها ويتكيف مع فلسفتها ويرتقي مع أخلاقياتها ويفهم لغتها ويُؤكد على مواقفها الثابتة ويحفظ لها الود ويبادلها المشاعر ويتعاطى معها بصدق ومحبة من خلال نواياها الحسنة التي تدعو إلى نبذ الخلاف وضبط النفس وتحكيم لغة العقل وترسيخ مبادئ العدل وإنصاف شعوب العالم ومنحها الحرية الخلاقة الهادفة التي تتسم بالمعايير الإنسانية والأخلاقية والقانونية .. وها هي عمان تسير بخطى ثابتة نحو ترسيخ مبدأ الحوار والعمل في إطار إنساني يعتمد على معايير ومفاهيم مُتجددة من أجل ضبط النفس ونشر مظلة التسامح والسلام ومد يد التعاون نحو تنسيق المواقف ونبذ الخلاف واحترام حقوق الدول وعدم التدخل في شؤونها بما يُحقق المعادلة الكافية لضمان حقوق الآخرين وعدم الاعتداء عليهم وعلى ممتلكاتهم ومصالحهم التي من شأنها زعزعة الأمن والاستقرار وخلق أجواء فوضوية خارج الأطر القانونية الدولية .. فالاحترام المتبادل ومد جسور التعاون وتعزيز لغة التفاهم وصياغة المفاهيم المشتركة لإدارة شؤون العالم وإيجاد وسائل الانضباط بصورة عقلانية إيجابية وتحرير النفس من الغطرسة ونبذ جنون العظمة من المؤشرات التي يتوجب الأخذ بها والعمل في إطارها وتكريس الجهود من أجل إعطائها مساحة كافية لمُعالجة القضايا الشائكة لكي تأخذ حقها المتكامل والنافذ لإرساء دعائم الأمن والاستقرار بعيداً عما يُعانيه العالم من توترات وهيجان عاطفي تختلط معه المعايير الإنسانية وتصبح أداة لخلق الأزمات وإثارة الفتن، وشبحا يلاحق البشرية في مختلف مناطق العالم وكل ذلك من أجل البطش والسيطرة على مصالح النَّاس وتركيعهم وإذلالهم وسفك دمائهم واستباحة ممتلكاتهم وحقوقهم وأعراضهم دون خوف من الله ولا حياء، وفي هذه الأجواء التي تتلاطم فيها الأجواء وتضطرب الإنسانية تبقى سلطنة عُمان الحصن الحصين والملاذ الآمن لكل المخلصين الذين يكرسون جهودهم من أجل إرساء دعائم السلام والوئام والارتقاء بواجباتهم ودعم منظمات حقوق الإنسان وهم يسيرون وفق إستراتيجيات واضحة المعالم ويضعون في اعتبارهم تلك الأهداف التي تتحقق من خلالها تلك المصالح العامة القائمة على مرتكزات ومعايير إنسانية مدعمة بالمبادئ والقيم الدينية في مختلف جوانبها، ولقد حرصت القيادة الرشيدة بزعامة جلالة السلطان المعظم هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- على مواصلة مسيرة عُمان الحديثة بنفس النهج المعتدل والمواقف الخيرة التي تتبنى السياسة الحكيمة والنظرة العقلانية والمُتزنة.. المتكاملة في منظومة العمل المتكافئ الذي تسير عليه الدبلوماسية العُمانية وتتعاطى معه بشفافية ومصداقية وأريحية تتسم بالود والمحبة وبُعد النظر دون إملاءات من ذوي المصالح الذين يتبعون نظرية فرق تسُد .. حفظ الله عُمان وقائدها وأبناءها وأمدهم بوافر الصحة وكمال العافية.

تعليق عبر الفيس بوك