ثقافة صناعة الفرح

مدرين المكتومية

ونحنُ نعيش مرحلة جديدة من نهضة عُمان الحديثة، تحت القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- فأننا أيضا نمر بمرحلة من التغيرات التي طرأت وستطرأ على مختلف الجوانب الحياتية لأي مواطن، تغيرات يأتي هدفها بالدرجة الأولى: الانتقال بعمان إلى مصاف الدول المتقدمة، وأيضا رسم ملامح الحياة الكريمة للمواطن العماني.

صحيح أن جائحة فيروس كورونا سبَّبت إحباطات للكثير من المواطنين، وأيضا أسفرت عن ضغط كبير على مختلف القطاعات، وخلَّفت أضرارا وخيمة على الاقتصاد، إلا أنَّ اللجنة العُليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناجمة عن فيروس كورونا جاهدت لوضع الكثير من الرؤى والحلول التي من شأنها أن تخفف الخناق على المواطنين، ولكن الكثير من المواطنين يشعرون بالتخبط، ويعيشون حالة من السلبية، فكل ما يدور من حولهم هو بالنسبة لهم بمثابة ضغط إضافي لا يضيف لهم بقدر ما يشعرهم بأنَّ كل القرارات التي قد تفرضها المرحلة هم من يدفعون ثمنها باهظًا.

ومن أجل ذلك؛ فإنَّ هذا الإحباط الذي يعيشه الكثير من المواطنين يحتاج إلى وضع برامج هدفها الأساسي رفع المعنويات ولو بالقدر اليسير، تكون غير مكلفة ماليا لكن قادرة على إضافة الكثير لهم؛ فلابد من الاهتمام برفع المعنويات في الفترة المقبلة؛ لأنَّ الإنسان الذي يعيش بمعنويات مرتفعة يستطيع أن يتغاضى عن أشياء كثيرة، ويمكنه أن يتجاوز كل التحديات والعقبات التي قد تؤثر على نفسيته، مثل شح المال، وندرة الوظائف، وقلة الحظ؛ فالدور الذي يجب أن تقوم به المؤسسات المعنية يتمثل في الكيفية التي تقوم من خلالها برفع معنويات أفراد المجتمع، والعمل على خلق حالة من السعادة تجعلهم يسعدون بالإنجازات البسيطة والصغيرة، ليس بالضرورة إقامة احتفالات كبرى وتكريم بعض الشخصيات، لكن تكفي كلمة شكر طيبة، ويكفي أن يقول لك أحدهم أمام الملأ إنك استثناء؛ فالناس في كثير من الأحيان تكفيهم تلك الكلمات البسيطة؛ إذ تؤثر فيهم بقوة كما لو أنهم استقبلوا حدثا رائعا ظلوا ينتظرونه لسنوات، ولربما شهادة تقدير أو عبارات تكريم، أو برامج تدريبية على مستوى المحافظات والولايات؛ فالتركيز على المنجز حتى وإن كان صغيرًا مهمٌّ جدا، وعلينا أن لا ننسى كل شبر من عمان ونركز على المنجزين في كل بقعة، كالمناطق الحدودية من كمزار إلى ضلكوت، بما يسهم في تحقيق الرضا والسعادة التي يمكنها أن تمنح الإنسان الفرح والبهجة، فهناك أناس ينتظرون رؤية شمعة مضيئة في حياتهم!

إنني أناشد جميع الجهات، من مؤسسات دولة ومجتمع مدني وقطاع خاص أن تعمل على رفع المعنويات من خلال دعم وتعزيز الإنجازات الصغيرة والأحلام البسيطة لكل إنسان، حتى يكون كل فرد فخور بما ساهم به أو نفذه في أمر ما، مثل تنظيم مسابقات للطلاب، ونشر ثقافة العمل التطوعي، وتعزيز الأنشطة الرياضية بما يغرس ثقافة الإنجاز والنصر، وغيرها...

إن صناعة الفرح لا تنحصر فقط في إقامة المهرجانات الكبرى والفعاليات باهظة التكلفة، بل أيضا في بناء الحافز الداخلي لدى كل فرد في المجتمع، فهذا الحافز هو الذي سيمنحه الفرصة لتقديم المزيد، والمحافظة على المنجزات، أما إذا ظل كل فرد غير مساهم وغير فاعل وخامل وساكن في بيئته ومجتمعه، سيتحول إلى كتلة سلبية لا تبني بل ربما تهدم، لا يحافظ على الإنجاز، بل يتجاهله ولا يؤثر فيه.. ومن هنا وجب على الجميع إتقان صناعة الفرح والبهجة، وغرس قيم العطاء والبذل والمكافأة، والتحلي بالإيجابية عبر تحقيق الإنجازات.