لا لاستدرار العواطف وتهييج المشاعر

نعم.. للسياسة الواقعية

على بن سالم كفيتان

 

أكاد أجزم أنَّ البعض لا زال يرى فيما تُقدم عليه الحكومة من إجراءات مالية هو مثار جدل وأن الواقع غير ذلك تماماً من حيث توفر الأموال وتدفق السيولة ولو صدقنا مثل هذا السيناريو وذهبنا إلى عقولنا سنجد أن العكس تماماً هو ما يحدث بدليل وجود أزمة مالية كونية ووباء فتك بأقوى الاقتصاديات العالمية ولو توجهنا غير بعيد إلى دولنا الخليجية الغنية لعرفنا أنَّ الأمر واقع وليس ضرباً من الخيال وهذا لا ينفي بأيِّ حال من الأحوال أن منظومتنا الخليجية لم تكن مثالية من حيث التنبؤ بتغيرات الأوضاع الاقتصادية لذلك استفاق الجميع على إجراءات لم تكن معهودة ومن الطبيعي أن الأقل دخلاً والأسوأ تخطيطاً يصبح هو المُعرض بشدة للتأثيرات السلبية وهذا يفرض علينا انتهاج السياسة الواقعية في التعاطي مع الأزمة... فهل فعلنا ذلك؟  

لقد استلم جلالة السُّلطان المعظم- أيده الله- مقاليد الحكم في الحادي عشر من يناير 2020 أي قبل عشرة أشهر في سنة مالية تمَّ اعتماد موازنتها المالية من قبل السُّلطان الراحل -طيب الله ثراه- ووفق تقديرات مالية تعرضت للكثير من الانتكاسات فيما بعد وبلا شك هذا لم يكن الوضع المثالي الذي يتمناه جلالة السلطان في بدايات العهد الجديد فهو يعلم أنَّ الكل ينتظر استمرار عهد الرخاء مع نسمات التجديد إلا أنَّ الزمن يُعيد نفسه فسلاطين عُمان تستهويهم القيادة وسط العاصفة ولا يريبهم علو الأمواج وتقلب الطقس مع اختلاف الزمن فالجغرافيا العُمانية أجبرت هذا الإنسان أن يبحث عن الماء في الصخر فحول القفار والبوار إلى أنهار وخضار وجلب من جبال عُمان الشامخة أخشاباً صلبة ليركبها إلى كل بقاع الدنيا ليعيد تموضعه بين الأمم وعندما يغيب العدل ويسود الظلام لم يتردد أبناء عُمان في الوقوف أمام الجور والطغيان فثاروا من جبالها وسهولها وبواديها لتقويم ما أعوج حتى يستقيم رغم ما عرف عنهم من صبر وطولة بال وبهذا ننظر لوضع اليوم أنه بسيط وآني بعدما علمنا أنَّ جلالة السلطان رجل يعمل بعقله وبصيرته لا بعاطفته المُجردة رغم أنها حاضرة ونراها في ذاته الصافية ونقرأ القدر الكبير من المسؤولية الذي تخفيه نبرة صوته الهادئة.

إنَّ جلالته يستثير فينا واقعاً جديداً لم نعهده من قبل وهو تحويل العقل البشري إلى ثروة ومن هنا جاء حديث جلالته -أبقاه الله- عن بناء الاقتصاد المعرفي المرتكز على البحث العلمي والابتكار، فالأمم الحية اليوم لم تعد الثروات الطبيعية شغلها الشاغل بل الإنسان نفسه وما أودعه الله فيه من معارف وقدرات عظيمة، وجدير بنا هنا القول بأن اليابان وسنغافورة وماليزيا وكوريا الجنوبية وغيرها من البلدان التي تتربع على قمة هرم الاقتصاد العالمي لا يُوجد فيها نفط أو غاز أو موارد معدنية ولكم أن تتخيلوا هاتفاً خلوياً أو جهازا لوحياً نشتريه بأثمان باهظة بينما وزنه لا يصل إلى كيلوجرام واحد أحياناً وجميع المعادن التي يتكون منها لا تساوي 20 دولاراً فقط هنا يكمن سُّمو العقل البشري الذي ينادي به جلالة السُّلطان -أيده الله- فهل فهمنا الرسالة؟ وهل لدينا الممكنات الكافية لخوض معركة التنافس البشري؟ أم لا زلنا ننتظر نضوب النفط والغاز وتقلب أسعاره!!!

خطة التوازن المالي ضرورة أملتها المرحلة وجلالته -أيده الله- أوضح في خطابه السامي بمناسبة العيد الوطني وبمنتهى الوضوح أنَّ جلالته -حفظه الله- على يقين بأن الخطة ستقود لتصحيح مالي خلال خمسة أعوام وتزامن معها إصدار نظام الحماية الاجتماعية للتقليل من آثارها على الفئات الأقل دخلاً مع رفع الدعم عن الفئات الثرية التي طالما تمتعت بدعم غير مستحق ومساواة غير عادلة مع الإنسان العادي طوال 50 عاماً.

  

نقطة نظام:

أثارني حديث سمعته في حلقة الأسبوع الماضي من البرنامج الإذاعي المنتدى الاقتصادي الذي يُديره الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد كشوب فقد ذكر أحد ضيوف الحلقة من كبار رجال الأعمال في السلطنة أن بنكا واحدا في مملكة البحرين الشقيقة ساهم في دعم صندوق مُجابهة جائحة كورونا في البحرين بما يساوي مُساهمة جميع بنوك السلطنة لذات الجائحة في السلطنة، ولكم الحكم قرائي الأعزاء على جدية مثل تلك المؤسسات في دعم اللحمة الوطنية أثناء الأزمات!