"عبء الرجل الأبيض".. أكذوبة الغرب لإقصاء الدول الأفريقية عن حل الأزمة الليبية

ترجمة- الرؤية

رصد تقرير لمجلة فورين بوليسي جانباً من الأزمة المُتفاقمة في ليبيا ومدى تجاهل الدول الأفريقية للدولة الواقعة في شمال القارة السمراء، الأمر الذي يضاعف من مستويات الفوضى العارمة التي تضرب البلاد منذ سنوات بعد الإطاحة بنظام الرئيس الراحل معمر القذافي.

وقالت المجلة إنه إذا كان الجمهور الأمريكي مدركًا أن حكومته تدخلت في ليبيا، فإنَّ هذا الوعي ينبع مما يسمى بـ"قضية بنغازي" التي استخدمها الجمهوريون في الكونجرس كسوط لجلد هيلاري كلينتون قبل وأثناء حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2016. وذكرت المجلة أنَّ عدم الأهمية الواضحة لمثل هذا الحدث المُهم مثل تدخل ليبيا في الوعي الأمريكي، ليس عنصريًا في حد ذاته. ومع ذلك، احتل العرق والعنصرية في إفريقيا مركز الصدارة فيما يسمى بالمُباحثات الغربية التي أدت إلى التدخل في ليبيا. ولعب العرق دورًا مزدوجًا في التدخل الليبي؛ حيث- أولاً- شكل تصورات حول ما هو مسموح به ومن يمكنه التوسط به في ليبيا بطريقة شائعة في العلاقات الدولية اليوم. وثانيًا، كان العرق أحد العوامل التي سمحت بتهميش القادة الأفارقة والمُفكرين الأفارقة والحكومات غير الغربية عندما يتعلق الأمر باتخاذ قرارات بشأن السعي لتحقيق السلام أو شن حرب.

وترى المجلة أنَّ ما حدث في ليبيا ليس بجديد؛ ففي عام 2003، في أعقاب المناشدة المباشرة من وزير الخارجية الأمريكية- وقتذاك- كولن باول للدول الأفريقية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كان هناك ازدراء مماثل للقادة والنخب الأفارقة لمعارضتهم شبه الموحدة للغزو الأمريكي للعراق عام 2003. وفي هذه الحالات وغيرها، يتم إلقاء اللوم روتينياً على القادة الأفارقة إما بسبب قضايا أخلاقية أو فساد أو عدم تقدير الرهانات في السياسة العالمية.

ومن خلال أزمة الكونغو في الستينيات أو استقلال ناميبيا أو معارضة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، لا يبدو أنَّه من المهم في كثير من النواحي أن الأفارقة أخذوا زمام المبادرة أو تمَّ إثبات حججهم في السنوات اللاحقة. وبالمثل، يبدو أن الفوضى التي تجتاح ليبيا اليوم تبرر وجهة النظر الأفريقية القائلة إنَّ محادثات السلام الشاملة والانتقال الدستوري كانا أفضل من شن حرب شاملة لا يُمكن التنبؤ بنهايتها.

ولفهم كيف شكلت قضية العرق وجهات نظر صانعي السياسة الخارجية خلال أزمة ليبيا، على المرء فقط أن يلاحظ ثابتين في الخطاب حول التدخل النهائي: الأول هو المحو النشط لأفريقيا والمتخصصين الأفارقة من المداولات التي أدت إلى الغزو. والثاني هو التفسير المقدم لهذا الاستهزاء الظاهر لأفريقيا، حيث إنِّه لا يمكن الوثوق بالقادة الأفارقة وغيرهم بأنهم محايدون تجاه الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي بسبب هباته المُفترضة لهم وتأثيره المفترض على الشعوب الأفريقية. ولم يتوقف القادة الغربيون أبدًا عن التفكير في أنه ربما يكون لدى جيران ليبيا المباشرين والقادة الذين عرفوا القذافي لعقود ما يُقدمونه من حلول.

وقد أدى انعدام الثقة هذا في إفريقيا إلى تفضيل فرنسا ودول غربية أخرى لتغيير النظام في ليبيا بهدف تهميش إفريقيا تمامًا. وقد تمَّ تصوير هذا التهميش في الصحافة على أنه "فقدان إفريقيا للنفوذ" بينما تم اتخاذ قرارات في إسطنبول وموسكو وبرلين. وفي الواقع، قامت فرنسا وحلفاؤها الغربيون والعرب بتهميش إفريقيا عن عمدٍ من خلال منع الاتحاد الأفريقي والوسطاء المقترحين وغيرهم من الأفارقة البارزين- رؤساء دول أو غيرهم- من لعب أي دور مهم في التوسط في المرحلة الانتقالية بليبيا الذي يفترض أن يطلبه العرب. فعلى سبيل المثال كاد رئيس جمهورية الكونغو دينيس ساسو نغيسو، مسؤول الاتحاد الأفريقي عن الملف الليبي، أن يُحذف من قائمة المدعوين إلى قمة برلين بشأن ليبيا في يناير الماضي. وقال الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني إنَّ دعوة ساسو نغيسو كانت مجرد "رمزية لإظهار أنَّ إفريقيا منخرطة في القضية أيضًا".

وترى المجلة أن الأفراد الذين ظهروا كمؤثرين ومستشارين لصانعي القرار والمتحدثين باسم الليبيين والمجتمع الدولي لم يكونوا من الأفارقة، وهو ما يجسد فصلاً أخيرًا مما يسمى "عبء الرجل الأبيض" الذي يعكس عقلية استعمارية اعتبرت إفريقيا حكراً على أوروبا تتصرف فيها وفقًا لرغباتها.

ولذلك لم تُكتب النهاية حتى الآن للحرب الشاملة بين الفصائل والميليشيات السياسية الليبية التي تُواصل شن هجمات إلى اليوم في صراعاتها على السلطة والأرض والموارد، وبات التجاهل الأخلاقي وفقدان الحسم السياسي من قبل الدول الإفريقية واضحًا، والنتيجة أنَّه بعد ما يقرب من عقد من الزمان، ما زالت ليبيا تعيش دون نهاية للفوضى تلوح في الأفق.

تعليق عبر الفيس بوك