خطاب يُرسِّخ أولويات المرحلة

حاتم الطائي

مضامين الخطاب السامي تجسد رؤى نيرة نهتدي بها في مسيرة نهضتنا المُتجددة

التنمية الشاملة في عُمان تمضي بخطى واثقة نحو المكانة المرموقة

الاهتمام السامي بالمواطن تجسده الأهداف الاجتماعية لـ"التوازن المالي" و"عُمان 2040"

حمل الخطابُ السامي لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم- حفظه الله ورعاه- بمُناسبة العيد الوطني الخمسين للنهضة، العديد من المضامين المُضيئة والرؤى النَّيرة التي سنسير على هداها خلال المرحلتين الراهنة والمُقبلة، بكل ما تشتمل عليه من مُعطيات ونتائج وتحديات، كل ذلك وفق توجه نهضوي مُتجدد، يرتكز على ما تحقق من مُنجزات خلال 5 عقود من التَّنمية الشاملة والمُستدامة، ويضع في الوقت عينه قدماً راسخة على طريق المُستقبل، ذلك الطريق الذي ترسمه رؤيتنا الطموحة "عُمان 2040".

وعند تحليل مضامين هذا الخطاب التاريخي- باعتباره أول خطاب يتزامن مع ذكرى 18 نوفمبر المجيد، منذ تولي عاهل البلاد المُفدى مقاليد الحكم- نجد أنه يرتكز على 3 محاور؛ الأول: ذكرى المُناسبة الوطنية الأغلى في عُمان، والثاني: رؤية صادقة وأمينة وشفافة للواقع بكل تحدياته وتطلعاته، في حين أنَّ المحور الثالث يستشرف المستقبل على المدى المتوسط من خلال خطة التوازن المالي، وأيضاً المدى البعيد وفق رؤية "عمان 2040".

ففي المحور الأول، حرص الخطاب السامي بكل شفافية على تأكيد ما تمر به البلاد والعالم من أوضاع استثنائية في ظل تفشي فيروس كورونا، الأمر الذي حال دون الاحتفال بالعيد الوطني الخمسين للنهضة، إلا في نطاق محدود. وحمل الخطاب في طياته أسمى معاني الوفاء والتقدير لباني نهضة عُمان الحديثة، المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه-، وتأكيد جلالة السلطان المعظم- أبقاه الله- على أنَّ حكمة وقيادة السلطان الراحل ستظل مصدراً للقوة والفخر والاعتزاز، فما أُنجز خلال الحقبة القابوسية غني عن الذكر والتعريف، فشواهد النَّهضة المُعاصرة لا تخطئها عين، وهي جلية في كل قطاع وتنتشر في شتى أنحاء وطننا الحبيب. وهذا الوفاء الذي عبَّر عنه جلالة السُّلطان تجاه السُّلطان المُؤسس، توازى مع تأكيد على ما تحظى به عُمان من إرث تاريخي عريق ودور حضاري وإنساني، الأمر الذي يشكل أساسًا متينًا لإرساء عملية التنمية، ويحفز الجميع على البذل والعطاء لمواصلة الإسهام في بناء حضارة عُمانية مُعاصرة، من خلال مرحلة جديدة من التنمية الشاملة والمستدامة، ووفق خطى تتقدم بثقة نحو ما تستحقه عُمان من مكانة مرموقة، في مصاف الدول المُتقدمة.

وأولى الخطاب السامي- في محور ثانٍ- أهمية واضحة لإبراز ما يمر به العالم والسلطنة من أوضاع غير مسبوقة، ليس فقط بسبب الأزمة الصحية الناتجة عن انتشار فيروس كورونا وتسببه في إغلاق المدن والدول، بل أيضاً نتيجة لما تُعانيه الاقتصادات العالمية من أزمة مالية طاحنة تسببت في حالة من الركود والانكماش الذي يقدره البعض بأنَّه أشبه بالركود العظيم الذي ضرب العالم في مطلع ثلاثينيات القرن الماضي، وكل ذلك يترافق مع تراجع حاد بأسعار النفط وانخفاض الحركة التجارية وضعف الأسواق، وانهيار بعض أسواق المال والعملات، كنتيجة حتمية لتلك الأزمات.

ووصف الخطاب لهذه الأوضاع بأنَّها "غير مسبوقة" إنما يعكس فهماً عميقاً ووعياً نافذاً بأبعاد الأزمة ومضاعفاتها، بل ويصرح بها بكل شفافية ووضوح، وهو نهج لطالما يؤكد عليه المقام السامي منذ توليه الحكم، من منطلق أنَّ المُصارحة والمُكاشفة مع الشعب من أسس العلاقة القوية والمُتماسكة بين القائد وبني وطنه، وقيم مُثلى تبرهن على صدق القيادة ونزاهتها، فليس هناك ما يدعونا لأن نهيل التراب على الحقائق الدامغة، بل يتعين علينا الاعتراف بها ومُواجهتها بشجاعة وجسارة. ولذلك وفي الوقت نفسه، يأتي التأكيد السلطاني على ما قامت وتقوم به الحكومة الرشيدة من جهود لاحتواء هذه الأزمات، والحد من تداعياتها على المواطن، سواء صحياً أو مالياً أو اقتصادياً، أو معيشياً، من خلال الاهتمام الخاص من لدن جلالته- أيده الله- ومتابعته السامية للتطورات على المُستويات الوطنية والإقليمية والدولية، وفق منظومة عمل مُتكاملة تتشارك فيها مختلف مؤسسات الدولة، بما يضمن استمرارية عمل القطاعات بأفضل كفاءة مُمكنة.

ولقد جسدت هذه الرؤية السامية والإدارة الحكيمة للأزمة، ما وصلت إليه النَّهضة العمانية الحديثة من تقدم ورقي، في إطار مفهوم النهضة المتجددة، تلك النهضة التي لا تكتفي بالقيام بواجباتها المؤسساتية الرسمية وحسب، بل وتعوّل كذلك على كل فردٍ في المجتمع القيام بدوره المنوط به، ولذلك وجَّه جلالة السُّلطان المعظم تقديره لما قام به الأفراد والمؤسسات من جهود لدعم ومساندة الحكومة في حماية الصحة العامة وضمان سلامة الجميع، فضلاً عن المبادرات الوطنية النبيلة التي لم تسعَ سوى لتضافر الجهود والخروج من الأزمة بأقل الخسائر المُحتملة.

كما أكَّد الخطاب على ما يوليه جلالته- حفظه الله- من دعم للقطاعات الصحية والاجتماعية والاقتصادية، بهدف مُواجهة الأزمة الصحية من الناحية الطبية، من خلال توفير العلاج المُناسب والملائم للمصابين بالفيروس دون تحمل أي تكلفة سواء للمواطن أو المقيم، علاوة على مُعالجة ما تسببت فيه الأزمة من تحديات اجتماعية تمثلت في فقدان عدد من المُواطنين لوظائفهم وتكبد عدد من الشركات للخسائر. كما شملت الجهود خطوات بناءة لإنعاش القطاعات الاقتصادية وضخ حزم تحفيزية في الأسواق من خلال البنك المركزي العُماني وغيرها من مُؤسسات التمويل والاقتصاد، فضلاً عن العديد من التسهيلات التي قُدمت سواء للمواطنين أو الشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وأيضاً استئناف الأنشطة الاقتصادية رغم عدم انتهاء الأزمة الصحية، لكن الحكومة الرشيدة انتهجت سبيل المواءمة بين الإجراءات الصحية والخطوات الاقتصادية، وجاءت التوجيهات السامية بالإسراع في إرساء نظام الحماية الاجتماعية لتوفير الحياة الكريمة للمُواطنين، لضمان عدم تأثر فئات الدخل المحدود والضمان الاجتماعي بالتداعيات مهما كان مصدرها.

إنِّها رؤية صادقة وأمينة وشفافة للواقع بكل تحدياته وتطلعاته كانت حاضرة بقوة في الخطاب السامي، ولذلك أكَّد جلالة السُّلطان- نصره الله- في غير موضع أنَّ كل ما اتخذته الحكومة من قرارات وإجراءات هدفت إلى الحفاظ على سلامة الجميع وضمان استدامة الاقتصاد ومواصلة مشاريع التنمية.

المحور الثالث والأخير من مضامين الخطاب السامي استشرف المُستقبل على المدى المُتوسط من خلال خطة التوازن المالي، والمدى البعيد وفق رؤية "عُمان 2040"، والتي تستهدف إحداث تحولات نوعية في كافة مجالات الحياة، إذ إنِّ هذه الرؤية لا تركز وحسب على القطاعات الاقتصادية، أو تنشد التنمية المُستدامة من ناحية مالية أو اقتصادية فقط، بل من خلال النهوض بكل قطاعات الحياة، من تعليم وصحة وزراعة وصيد أسماك وسياحة وابتكار وإسكان وتنمية عمرانية ودعم اجتماعي للفئات المُستحقة، وغير ذلك، إلى جانب البُعد المالي من خلال تعظيم الإيرادات من القطاعات غير النفطية. ولقد مزج الخطاب السامي بحكمة بين خطة التوازن المالي ورؤية "عمان 2040"، من خلال الربط بين الأهداف متوسطة المدى (مثل ترشيد الإنفاق وحوكمته، وخفض المديونيات وزيادة النمو الاقتصادي) والبعيدة المدى (مثل الحد من الاعتماد على النفط كمصدر للدخل، والنهوض بالاقتصاد الوطني ليكون ضمن أعلى الاقتصادات نمواً في العالم)؛ إذ إنَّ تنفيذ "الخطة" سيُساعدنا على الوصول باقتصادنا إلى "بر الأمان" وهو التعبير البليغ الذي ورد في الخطاب السامي، حيث من المُتوقع أن يشهد اقتصادنا خلال الأعوام الخمسة المُقبلة معدلات نمو تلبي التطلعات، كما إنِّ نجاح "رؤية عمان 2040" يمثل مسؤولية مشتركة بين مختلف مكونات وفئات المجتمع دون استثناء، وذلك بالتوازي مع استمرار العمل الدؤوب لمراجعة الجوانب التشريعية والرقابية وتطوير أدوات المساءلة والمحاسبة، من أجل أن نُحقق ما نصبوا إليه من تطلعات وأهداف.

وختامًا.. إنَّ النهضة المُتجددة بقيادة جلالة السلطان المُعظَّم- حفظه الله ورعاه- ماضية بخطى واثقة نحو تحقيق المكانة المرموقة التي تستحقها عُمان، ويستحقها كل مُواطن؛ فهي نهضة تستلهم "أعظم ما نعتز به من أصالة وعراقة ماضيها لبناء مستقبل أكثر إشراقًا"، بسواعد أبنائها المخلصين والطموحين لرؤية عُمان مزدهرة وفي مصاف الدول المتقدمة.