ظروف استثنائية.. قرارات استثنائية

 

 

خلفان الطوقي

 

يتفق جميع من يتابع الوضع الاقتصادي في الخليج ومنها السلطنة، على ملاحظة أنَّ هناك ظروفا استثنائية تمر بالعالم والخليج على وجه الخصوص، وربما ظروف السلطنة تختلف عنها قليلاً، بمعنى أنها تزيد عن الدول الأخرى بقليل.

 

فالسلطنة تتشارك مع العالم تأثير فيروس "كوفيد 19"، واستمرارية تذبذب أسعار النفط منذ عام ٢٠١٥م، وعجز الموازانات المالية في السنوات القليلة الماضية، وانخفاض نسب الضرائب والرسوم المدفوعة لخزينة الدولة، لكن يبقى أن السلطنة مشكلتها أعمق من ناحية ارتفاع نسبة الدين العام إلى مستويات قياسية تُهدد مركزنا الائتماني، وتزايد الأعداد الكبيرة للشركات الحكومية التي تأخذ مبالغ دعم سنوياً من ميزانية الدولة دون عوائد ملموسة، وتباين مزايا وأداء صناديق التقاعد الحكومية، وأخيراً قلة السيولة في السوق المحلي.

ومن البديهي أنَّ هذه الأزمات سوف تخلف آثاراً على الحكومة من ناحية، والمؤسسات من ناحية، والأفراد من ناحية أخرى، فالحكومة سوف تُعاني من استمرارية العجز المالي وارتفاع مستوياته الحرجة، واضطرارها للذهاب إلى الاقتراض من المؤسسات التمويلية محلياً أو عالمياً، وبالتالي تخفيض جودة الخدمات المُقدمة للمواطن والمقيم، أما على مستوى المؤسسات التجارية فإنِّها نتيجة توقف أو انخفاض الإنفاق على المشاريع الحكومية سوف تقل أرباحها، وتقلل من موظفيها، وقد تضطر إلى تسريح بعض موظفيها، أو التعثر وتعرض كثير منها إلى المطالبات القضائية، أما على مستوى الأفراد فسوف تقل الفرص الوظيفية، وتعرض البعض لمخاطر تخفيض الراتب والمزايا الوظيفية أو التسريح، وبالتالي انخفاض القيمة الشرائية للأسرة، وهذا بدوره سوف ينعكس على النشاط الاقتصادي الكلي للسلطنة.

 

تكالب هذه التحديات والمعضلات في وقت واحد، يجعل الحكومة في وضع صعب، وفي حيرة من أمرها، وبدائلها قليلة، خاصة وأنَّ أي قرار تتخذه لن يكون سهلاً، وكثيرا من هذه القرارات لم يكن معتادا عليه أو مقبولاً من المجتمع أو الفئات المستهدفة، وقد يقابله معارضة من بعض الشرائح المستفيدة منه قبل تطبيقه.

 

يتضح مما سبق أنَّ الوضع استثنائي وليس بالسهل، لذلك يتطلب من الحكومة القيام بخطوات استباقية وسريعة واستثنائية، فظروف اليوم، ليست كظروف الأمس، ولا يُمكن معرفة هذه التحديات المعقدة والانتظار والوقوف مكتوفي الأيدي، فالعالم من حولنا في سباق شرس، ينسق الجهود ويجتمع ويُفكر ويقترح ويُدير وينفذ ويقيم ويحاسب، وبعد هذه الدورة المتكاملة يعيد الكرة من جديد، ويطور ما يحتاج تطويره محطمًا النسب والأرقام القياسية، فالوقت له قيمة ومعنى، ولا مجال لتضييعه، لأنَّ السباق العالمي لا ينتظر المتأخرين، وقطاره لا يتسع ولا يقل معه إلا الملتزمين بالوقت والمستوعبين لشروط ومعايير التحليق والانطلاق إلى المستقبل بجسارة.

عليه، فإنَّ حكومتنا عليها أن تقرأ المشهد الاقتصادي والاجتماعي بصورة واقعية، وتتخذ قرارات استثنائية لوقف نزيف إفلاس المؤسسات التجارية، وتأجيل القضايا التجارية لبعض الوقت، وضخ سيولة في السوق في أسرع وقت ممكن من خلال دفع أي مستحقات متأخرة، وتقليل نسب التسريح للموظفين، وفي المقابل والجانب الآخر زيادة نسبة إنتاجية كل موظف حكومي والجهات الحكومية على حدٍ سواء  وفق معايير أداء ومؤشرات ونسب واضحة، وتطبيق الحوكمة الآن وعدم انتظار تطبيقها مع بداية عام ٢٠٢١م، ومضاعفة تبني الحلول التقنية في كل المعاملات الحكومية والترويج لها، وتخفيض نسب بعض رسوم الخدمات الحكومية خاصة المعول عليها تعويض أي خسارة بكثرة المتعاملين فيها، وتخفيض نسب الفوائد البنكية على التسهيلات البنكية وإعادة هيكلة الديون السابقة لتنشيط الوضع الاقتصادي الذي يحتاج إلى جرعات تحفيزية، واستصدار حزم تحفيزية استثنائية استثمارية تنافسية لجذب المستثمر المحلي والخارجي، وتصفية أو دمج أو إعادة هيكلة أو بيع نسب من الشركات الحكومية لشركات القطاع الخاص، وغيرها من المبادرات المتحدة والخلاقة التي تصدر من أكثر من جهة حكومية لحللة بعض العقد التاريخية التي لا يُمكن أن تحل بشكل فردي.

يمكن للحكومة أن تجعل فترة تعافي الاقتصاد فترة سريعة أو فترة طويلة، وذلك من خلال استطاعتها أو عدم استطاعتها قراءة الوضع الاجتماعي والاقتصادي بشكل دقيق، واتخاذ قرارات استثنائية تتناسب مع الظروف الاستثنائية.