ما بعد الطلاق (2)

 

د.صالح بن سعيد بن هلال الحوسني

الطلاق مرحلة جديدة بعد حياة زوجية استفاد منها تجربة مُعينة وإن كانت بعض الدروس صعبة قاسية، ولكن أن يحمل الإنسان الحقد في قلبه والحزن في نفسه فهو مسلك فاشل فلا يحمل الحقد من تعلو به الرتب؛ وهو ما نراه من تصرف بعض المُطلقات عندما تكون لها الحضانة فإنِّها تحاول جاهدة أن تمنع أبناءها من رؤية وزيارة والدهم وقد تلجأ إلى القضاء مدعية أنَّ أباهم رجل سوء وأنَّ لقاء الأب بأبنائه مدعاة لكل شر وقبح وأنه يُخشى على الأبناء من تلك الزيارة، وأعلم امرأة لم تدع حيلة أو وسيلة لمنع أبنائها من زيارة أبيهم فآل الأمر إلى أن يعيش الأبناء مع أمهم رغم أنَّهم في منطقة واحدة بجانب أنها كانت تُسمع أبناءها كل قبح عن أبيهم حتى نشأ أولئك الأبناء في حالة كره شديد لأبيهم ولم يكونوا يطيقون سماع اسمه ومع زواج الأم وإهمالها أو لعدم معرفتها بتربية الأولاد تلقفت رفقة السوء أحد الأبناء وامتهن ترويج المخدرات رغم أنه لم يتجاوز العشرين من عمره وبعد ذلك بقليل تمَّ القبض عليه وأودع السجن، وما زال حتى كتابة هذه السطور يُواصل عقوبته تلك والتي كان من أهم أسبابها  هذا العداء المستحكم من هذه المرأة لمُطلقها.

تلكم التصرفات هي بلا شك أمور خارجة عن إطار الشرع الحنيف ودائرة الأخلاق القويمة وإلا فإنَّ الله يوصينا في كتابه بقوله: (ولا تنسوا الفضل بينكم)، وهو ما يستدعي التمسك بالخلق القويم حتى مع حصول الطلاق والانفصال بين شريكي الحياة الزوجية، فإنَّ وقوع الطلاق لا يعني فساداً في خلق أحدهما أو كليهما، وهو كذلك لا يُبيح أن يقدم أحدهما على تشويه صورة الآخر أو الانتقام منه؛ فإنَّ أسباب الطلاق كثيرة وقد يجد أحدهما نفورا من الآخر وقد لا تتوافق الطباع بينهما، وقد تختلف الثقافات فيرى أحدهما أو كلاهما أنَّ الانفصال أو الطلاق هو الحل المناسب لذلك الصراع النفسي الذي يعتلج في القلوب وهو ما يكون خيرًا لكلا الطرفين بعد ذلك، كما قال الله تعالى في نهاية الآية الأولى من سورة الطلاق: (لا تدري لعلَّ الله يحدث بعد ذلك أمرا)، بل وقال في نفس السورة بعد عدة آيات: (سيجعل الله بعد عسر يسرا)، وكم من الأزواج الذين انفصلوا عن بعضهم فُتحت لهم آفاق أخرى بعد الطلاق وعاشوا حياة أفضل مما كانوا عليه سابقاً.

ومن المُهم للأزواج الذين تلبدت حياتهم الزوجية بغيوم الشقاق والخلاف حتى رست بهم سفينة الزواج عند شاطئ الطلاق أن يراعوا جملة من الأمور من بينها:

  • حفظ ما كان من أسرار وخصوصيات لكليهما: فمن الطبيعي أن العلاقة الزوجية تكشف خصوصيات الإنسان لنصفه الآخر؛ أما وقد وقع الطلاق فمن الأمور المعيبة أن تُكشف الأمور المستورة وتصبح على كل لسان فهو من الغيبة المحرمة التي جاء التشنيع على من فعلها، ومما جاء أنَّ أحد الصالحين ابتلي بزوجة سيئة الخلق ولما أعياه إصلاحها آل الأمر إلى طلاقها، ومع كل ما حدث فقد كان لا يذكرها بسوء أمام أحد من النَّاس سواء كان قريباً أو بعيدا حفظاً للود وصيانة للمعروف وحرصاً على عدم الخوض في أعراض الآخرين.
  • التصور السليم لمرحلة ما بعد الطلاق: ويتأكد الأمر عند وجود الأبناء فإنَّ حاجتهم إلى كلا الأبوين حاجة مُلحة ولا يكاد يعوضه وجود أحدهما، وعند حدوث الطلاق وانفصال الزوجين تهتز هذه العلاقة ويشعر الأبناء بألم بُعد أحد الأبوين ويظهر ذلك غالباً في سلوكه وأخلاقه وحالته النفسية؛ لذا لابد من التشاور والتعاون على تعويض ما يقع من نقص وتمكين الأبناء من حنان الأم وعطف الآباء لينشأ الأبناء على تربية قويمة مُكتملة الأركان.
  • عدم ذكر أحد الأبوين بسوء مع الأبناء: فإن الأبناء الصغار لا يدركون كثيرًا من الأمور ومع تشويه صورة أحد الأبوين أمام الأبناء فإنَّ ذلك له أثره السيئ في علاقة الأبناء بأبويهم وقد يقع بسببه العقوق المحرم، لذا فإنِّه من المُناسب أن تكون صفحة الأبوين بيضاء نقية وأن يقع التذكير بحقوق الأبوين من كلا المطلقين حتى ينشأ الأبناء نشأة قويمة كريمة لا يبخسون حق أحد من الوالدين.
  • المعاملة الحسنة لكلا المطلقين للطرف الآخر: وهنا تظهر معادن الأشخاص فكم يعجب الإنسان من خلق كريم لأحد المطلقين والذي حين رغبت تلك المرأة المطلقة أن تكون مع أبنائها وفر لها بيتاً وأنفق عليها وأكرمها غاية الإكرام حتى أن بعضهم يظن أنَّه مازال زوجاً لها، ومنهم من كان يرسل لها معونة شهرية رغم أنَّه لا يجب عليه ذلك وإنما دفعه لذلك حبه للخير وتذكره لقوله تعالى: (ولا تنسوا الفضل بينكم).

تعليق عبر الفيس بوك