ترجمة - رنا عبدالحكيم
وصفت صحيفة "ذا جارديان البريطانية"، رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بـ"المتناقض"، رجل الدولة الذي يتطلع للمستقبل برؤية للسلام، والعسكري الحاد الذي يرتدي سترة الانتحاري.. مُستشهدة على ذلك بما جرى خلال الأسبوع الماضي، حينما ظهر آبي في مطلعه في مطار أديس أبابا مرحبًا بالجنرال عبدالفتاح البرهان الزعيم الفعلي للسودان، بينما شهد النصف الثاني من الأسبوع آبي في وضع مختلف، يظهر على شاشة التليفزيون مرتديًا سترة جيش داكنة، آمرًا قواته بالرد على هجوم مميت مزعوم على قاعدة عسكرية حكومية من قبل القوات المحلية في مقاطعة تيجراي بالبلاد، ليتحدث بعد هذه قادة القوات الإثيوبيون عن "حالة الحرب" وسط تقارير عن مبارزات مدفعية، بينما زعم مسؤولون في تيجراي أن الطائرات قصفت أجزاء من عاصمتها.
وقالت "ذا جارديان" إنه وكما كانت الحال بين الأيام الأولى لأبي في السلطة في العام 2018، عندما قارن المراقبون الزعيم الإصلاحي الشاب بنيلسون مانديلا، وجوستين ترودو، وباراك أوباما، وميخائيل جورباتشوف، فإن شخصية آبي الحقيقية ظهرت الآن.
وقال تسيدالي ليما رئيس تحرير مجلة "أديس ستاندرد" الإخبارية المستقلة في العاصمة الإثيوبية: "إن رواية آبي الإصلاحي مبالغ فيها... وما أخشاه أن الاستبداد الكامل هو ما يتجه إليه بعد ذلك".
وكان تعيين آبي المفاجئ رئيسًا للوزراء في 2018، قد تم بعد شهور من الاحتجاجات المناهضة للحكومة. وعلى الفور، تأثر أسلوبه غير الرسمي وجاذبيته وطاقته بعد عقود من الحكم الغامض والقمعي. وفي تتابع سريع، قام آبي بتعديل وزارته، وطرد سلسلة من الموظفين المدنيين المثيرين للجدل والذين كانوا لا يمكن المساس بهم، وتواصل مع الجيران والمنافسين المعادين، ورفع الحظر على وسائل الإعلام، وأطلق سراح الآلاف من السجناء السياسيين، وأمر بالخصخصة الجزئية للشركات الضخمة المملوكة للدولة وأنهى حالة الطوارئ.
كما كان أول زعيم من أكبر جماعة عرقية في إثيوبيا، الأورومو، الذين اشتكوا لعقود من التهميش الاقتصادي والثقافي والسياسي، وكانوا وراء الكثير من الاضطرابات المتزايدة التي أدت إلى تعيين أبي، وبدا أنه مستعد لتحويل الحلم إلى واقع، وإبرام اتفاقية سلام تاريخية مع إريتريا؛ وبالتالي إنهاء أحد أطول الصراعات في إفريقيا، والفوز بجائزة نوبل للسلام لعام 2019. وفي أوسلو، دعا رفاقي الإثيوبيين إلى التعاون والمساعدة في بناء دولة توفر عدالة متساوية وحقوقًا متساوية وفرصًا متساوية لجميع مواطنيها.
ولكن ربما كانت جائزة نوبل نقطة تحول؛ إذ ومنذ ذلك الحين، تضاعفت المشاكل، وتفاقم الوباء.. ويقول محللون إنَّ إصلاحاته سمحت بظهور مظالم عرقية قديمة ومظالم أخرى، وأدت إلى عدم الاستقرار، حيث أدت أعمال العنف المميتة في وقت سابق من هذا العام إلى موجة من القمع. وبعد أيام من إطلاق كتاب آبي أحمد في الخريف الماضي الذي تجاوز فلسفته في الوحدة الوطنية، أحرق المتظاهرون نسخًا منه في الشوارع، وفقد آبي معظم قاعدة دعمه في أوروميا؛ وقال ليما: لقد ترك النظام السياسي في الجنوب في حالة من الارتباك الشديد.. وهو الآن على حافة المجهول مع شعب تيجراي".
وعندما تم تأجيل الانتخابات المقرر إجراؤها في أغسطس بسبب كوفيد 19، مضى زعماء تيجراي قدما في انتخاباتهم الخاصة. والآن يرى كل جانب أن الآخر غير شرعي، وقد قرر القضاة الفيدراليون أن حكومة آبي يجب أن تقطع الاتصال بتيجراي وتمويلها.
ولكنَّ المقاطعة الشمالية هي موطن لستة ملايين شخص -5% من سكان إثيوبيا البالغ عددهم 109 ملايين نسمة- وأكثر نفوذاً من العديد من المناطق الأخرى الأكبر. كما أن لديها قوة شبه عسكرية كبيرة وميليشيا محلية جيدة التدريبات، بينما يتمركز جزء كبير من الأفراد العسكريين الفيدراليين والكثير من معداتها هناك، وهو إرث من الحرب مع إريتريا.