"رواد الصحافة العُمانية"

جيهان رافع

"أخشى ثلاث جرائد أكثر من خشيتي لمائة ألف حربة" - نابليون بونابرت

لأنَّ الإنسان ومنذ الأزل يبحث عمَّا يجعله يحب الحياة، فقد وضع لنفسه مساحةً على صفحات الجرائد ليتحرر من موت أفكاره وآرائه.

كتاب "روَّاد الصحافة العُمانية" يقدِّم لنا سلسلة من تاريخ صحفي عُماني حافل بإنجازات تفرَّدت بالسعي لتطويرها، وإضفاء هُوية معتدلة الحرية؛ فلا إسراف فيها ولا تقتير, فأطل علينا هذا التاريخ العريق بثلاثمائة صفحة ألفاها الدكتور عبد الله الكندي والشاعرة شميسة النعمانية؛ فاختصرا بين ثناياها ما أردنا أن نعرفه عن كثب وسابق حب؛ حيث تقدم الكتاب تاريخ نشأة الصحافة العُمانية عام 1911على يد إمام الشعر والصحافة أبو مسلم ناصر بن سالم البهلاني.

رواد الصحافة العمانية (17).jpeg
 

ويذكر أن الفكرة جاءت من عدَّة عوامل مؤثرة ومنها بداية الحركة الصحفية في زنجبار التي ربما تعود إلى سنة 1892م مع صدور أول جريدة رسمية في زنجبار تحت اسم (the gazette Zanzibar and east Africa) كأول صحيفة مطبوعة؛ وذلك في عهد السلطان علي بن سعيد بن سلطان، وفي ظل تلك المؤثرات شرع أبو مسلم الرواحي بتأسيس مشروعه الصحفي الأول في عُمان وهو جريدة النجاح التي قامت بطباعتها مطبعة النجاح حيث تأسست من مجموعة أعيان في زنجبار عام 1910م التي كانت تصدر يوم الخميس من كل أسبوع، واستمر صدور الجريدة حتى توقفها في عام 1914؛ حيث كانت لها ثلاث شعارات معتمدة حسب المصادر الأول "إنْ أريد الإصلاح ما استطعت"، والثاني: "كل من ثابر على العمل أدرك النجاح"، والثالث "النجاح لحزب الإصلاح"، ولقد وَصفَت الجريدة نفسها آنذاك -جريدة وطنية أدبية علمية إخبارية تجارية- وأشارتْ إلى من كان يستقبل البريد وهو "جابر بن صالح" وإلى محرر الجريدة وهو "أبو مسلم الرواحي" ولم يعرف تاريخ إنهاء عمله بها، وأشار محسن الكندي إلى أن ناصر بن سلمان اللمكي ومحمد بن علي بن عامر الطائي كانا من الشخصيات التي تناوبت على رئاسة تحرير الجريدة وإدارتها بعده.

جاء في العدد الثامن الذي وُجد من بين الأعداد المفقودة، مقال ناصر البهلواني بعنوان "المجد لله" كتب: "لا أحاول من كل نفس ترك جبلتها ولا خلع ملابس شرورها ولا أربأ بالذبابة أن تقع على القذر وهو معاشها ولا أنصح الحيّة الرقشاء بأن تتخلص من سمومها وهي جوهرها كل ذلك لا أمد يداً إلى التماسه، ولا أثق بأملٍ في حصوله لأني أصبح طالبًا للمحال".

ومن أبرز ما جاء في العدد 109: مقال بعنوان "تشعُّب الأفكار"، وجاء في مقدمته: "الإنسان لم يخرج من كونه حيوانا تابعا لنظام الكون الذي قضت إرادة الله فيه أن يحدث فينمو فيشب فيتفرّغ فيتشعّب فيشيب فيضمحل، فلا يترك إلا آثاره التي ستحكي عن مقدار تقدمه في العمران بعده". صدر في زنجبار 26 فبراير سنة 1914م.

أضاء الكتاب أيضًا على مسيرة الكثر؛ ومن أهمهم:

- الصحفي التنويري هاشل بن راشد المسكري: أول وأبرز رؤساء تحرير صحيفة "الفلق"، والتي صدرت عام 1929م؛ نظرًا للفارق بين عُمان وزنجبار في الحياة العلمية والنشاطات الثقافية والرخاء الاقتصادي والحرية الاجتماعية آنذاك، وقرَّر هاشل المسكري العودة إلى زنجبار وممارسة العمل الناجح ونظرًا لتقديمه أفضل ما درسه في الجمعية العربية أوكل إليه مسؤولية تحرير جريدة الفلق في أبريل عام 1929، وعندما خرج من رئاسة تحريرها استمر في الكتابة بها وتزويدها بمقالات مهمة حتى إنهاء عمل الجريدة عام 1963.

- الصحفي الحقوقي أحمد بن سيف الخروصي: مُؤسس صحيفة المرشد عام 1942م، وهو أيضًا شاعر وأديب حيث صدر له مؤلفات منها "مهمات الاعتقاد"، و"جامع أركان الإسلام".

- الصحفي الاقتصادي محمد بن ناصر اللمكي: أحد أبرز رؤساء تحرير صحيفة "الفلق".

- الصحفي ورجل الدولة السيّد سيف بن حمود آل سعيد: مؤسس صحيفة "النهضة" عام 1951م، كان شعارها "الله غايتنا، والرسول زعيمنا، والقرآن دستورنا، والله أكبر".

- الصحفي الأديب عبدالله بن محمد الطائي: أحد أبرز روَّاد الإعلام في الخليج العربي 1957م. الذي اعتبر الصحافة "مرآة الشعوب" والصحافة أيضًا بالنسبة له كانت مدرسة للشعب يتلقى فيها دروسًا في شتّى نواحي الحياة.

وقال: "من يتطلع لتاريخ عُمان يعرف إلى أين تصل أهداف الحرية والوطنيّة؟"!

- رائد صحافة نهضة السبعين: نصر بن محمد الطائي مؤسس صحيفة "الوطن" عام 1971م.

وفي أول مَقال لصحيفة "الوطن"، الذي كتبه بعنوان "يوم 23 يوليو"، افتتحه نصر الطائي بشعر الشابّي "إذا الشعب يومًا أراد الحياة... فلا بدّ أن يستجيب القدر".

- الصحفي السياسي سعيد بن السمحان الكثيري: مُؤسِّس مجلة "العقيدة" عام 1972م.

- النجم العائد طالب بن محمد المعولي: مُؤسِّس مجلة "النهضة" عام 1973م.

- الصحفي الاجتماعي صادق بن حسن عبدواني: مُؤسِّس مجلة "الأسرة" عام 1974م.

- رائد الصحافة الأجنبية عيسى بن محمد الزدجالي: مُؤسِّس صحيفة "تايمز أوف عُمان" عام 1975 م (times of oman).

- الصحفي السفير سالم بن محمد الغيلاني: مُؤسِّس مجلة "السراج" عام 1975م.

- صوت الصحافة الثقافية أحمد بن عبدالله الفلاحي: مدير تحرير مجلة "الغدير"، وأبرز مؤسسيها عام 1977م.

- القلم البليغ حمود بن سالم السيابي: أحد أبرز رؤساء تحرير صحيفة "عُمان" 1993م.

- الصحفي المغامر إبراهيم بن عبدالله المعمري: مُؤسِّس صحيفة "الزمن" عام 2007م.

- الطائر الحر حاتم بن حمد الطائي: مُؤسِّس جريدة "الرؤية" عام 2009م, بعد إدراكه تعطل السينما العمانية وكثرة الصعوبات المادية التي منعته من تحقيق طموحاته السينمائية، أصدر الطائي جريدة "الرؤية" نتيجة اعتقاده بأمرين؛ أولهما: أن تأثير المجلات في فترة التسعينيات ضَعُفَ وخبا، وثانيهما: أن البلد بحاجة لجريدة بدماء جديدة وعدم اتباع أسلوب النمطية والتقليدية وبعد مسيرة حافلة بالاجتهاد والصبر والمثابرة بدأت في العام 2011 ما سُمِّي بـ"إعلام المبادرات" دون السعي وراء المردود المادي لإيمان الطائي بأنَّ المبادرات جزء من المسؤولية الاجتماعية للصحيفة.