مفهوم الابتكار في النموذج البحريني

عبيدلي العبيدلي

تلقيت الكثير من الملاحظات حول مقال "النموذج البحريني العربي من كلمة سر بوابة ريادة الأعمال إلى منظومة تنموية متكاملة"، الذي تم نشره على حلقتين متتاليتين.

البعض منه تلك الملاحظات حمل دعوة جادة لإلقاء المزيد من الأضواء على ذلك النموذج نظرا للمكانة التي يحتلها، وباتت تميزه من جانب. ومن جانب آخر هو يثبت، وعلى أرض الواقع، أن في وسع دولة صغيرة من حجم البحرين، أن تمارس دورا رياديا في مجال متقدم مثل مجال ريادة الأعمال، وهو حقل جديد ما يزال في أطواره الجنينية، إذ لم تكتمل مواصفاته النهائية بعد، ، ومن ثم فهو بحاجة إلى الكثير من البحث والتطوير، ناهيك عن الموازنات الضخمة التي باتت الدول الكبرى ترصدها كي يتسنى لها دخول هذا الميدان من ميادين تنمية الموارد البشرية، وتطوير بيئتها الاقتصادية. مقابل ذلك اكتفى البعض مما تلقيته بإثارة بعض التساؤلات. نسبة تستحق التوقف عندما أثارته، وهو لماذا لم تجر الإشارة إلى مسألة الابتكار في منظومة النموذج البحرين، وهل يعني ذلك أن ذلك النموذج لا يرى تلك العلاقة بين الابتكار وبين النظام البيئي لريادة الأعمال؟

واستجابة لما جاء في تلك الملاحظة، ينبغي التأكيد على أن أدبيات النموذج البحريني تولي الابتكار اهتماما خاصا، وهو بالنسبة لها إحدى مخرجات الجهد الإنساني التي تتوزع على ثلاثة محاور هي: بذل بعض الوقت، وبعض الجهد في البحث (Researching)، في فكرة. يل ذلك بذل بعض الوقت وبعض الجهد في تطوير (Developing) تلك الفكرة. على أن يترافق ذلك، في مرحلة لاحقة مع بذل الكثير من الجهد والكثير من الوقت في تحويلها إلى منتج تجاري (Commercializing) يستفيد منه الآخرون من ذوي العلاقة.

ويميز النموذج البحريني بين ثلاثة أنواع من الابتكار، تلخصها مطبوعاته في النقاط التالية:

  1. الابتكار في المنتجات. يُعنى هذا النوع من الابتكارات بإيجاد نوع جديد من المنتجات والتي عادةً ما تكون على هيئة معدات وآلات
  2. الابتكار في العمليات. ويصّب هذا النوع من الابتكار تركيزه على طريقة أو آلية الإنتاج والعمل والتي يحرص كل الحرص على إيجاد طرق أو تكنولوجيا حديثة تؤثّر على هذه الطريقة في العمل، وتُحدث تغييراً كبيراً فيها، وبالتالي استخدام موارد بشكل أقل في إنتاج أكبر.
  3. الابتكار في الخدمات. وهي الخدمات التي لم يسبق لها الوجود؛ كخدمات النقل والترحيل والتغليف.

وعرّف النموذج البحريني الابتكار بأنه المقدرة على تطوير فكرة أو عمل، أو تصميم أو أسلوب أو أي شيء آخر وبطريقة أفضل، وأيسر وأكثر استخداماً وجدوى. ويميز بموجب هذا التعريف بين الابتكار والاختراع، فالابتكار هو ما أشير له أعلاه، في حين يتمحور الاختراع حول العمل من أجل إيجاد الفكرة، أو التصميم، أو الأسلوب من العدم، بحيث أنه لم يكن له مثيل من قبل وليس شرطاً أن يكون الاختراع قابلاً للتنفيذ، فإذا ما عُدل عليه وأضيفت له بعض التحسينات تسمى هذه الإضافات بالابتكار.

نخلص من كل ذلك، ومن خلال متابعة اجتهادات أخرى تناولت موضوع الابتكار، تلك العلاقة الوثيقة بين ريادة الأعمال والابتكار. فالابتكار، بحكم تعريفه، "هو إدخال شيء جديد. فبدون الابتكار، لا يوجد شيء جديد، وبدون أي جديد، لن يكون هناك تقدم. إذا لم تحرز أي مؤسسة أي تقدم، فلا يمكنها ببساطة أن تظل ذات صلة بالسوق التنافسي".

وكما يذهب بعض الاجتهادات فإن "الابتكار حقًا هو السبب الأساسي للوجود الحديث. على الرغم من أن الابتكار قد يكون له بعض النتائج غير المرغوب فيها، إلا أن التغيير أمر لا مفر منه، وفي معظم الحالات، يؤدي الابتكار إلى إحداث تغيير إيجابي".

ووفقًا لتقارير شركة لماكينزي، "يعترف 84% من المديرين التنفيذيين إن نجاحهم في المستقبل يعتمد على الابتكار. على الرغم من أن الابتكار قد يبدو وكأنه كلمة طنانة بالنسبة للبعض، إلا أن هناك العديد من الأسباب التي تجعل الشركات تركز كثيرًا عليها. فبالإضافة إلى حقيقة أن الابتكار يسمح للمنظمات بالبقاء على صلة بالسوق التنافسي، فإنه يمارس أيضًا دورًا مهمًا في النمو الاقتصادي. تعتمد القدرة على حل المشكلات الحرجة على الابتكارات الجديدة وخاصة البلدان النامية في حاجة إليها أكثر من أي وقت مضى".

وقد وجد استطلاع قامت به شركة ديلويت (Deloitte)، حول الابتكار، أن هناك "66% من المشاركين يعتقدون أن الابتكار مهم لنمو الأعمال التجارية وتطويرها، مما يساعد الشركة على التوسع".

بشكل عام، يجب أن تكون نتيجة الابتكار دائمًا تحسينًا. من منظور المجتمع، تتمثل النتائج الأساسية للابتكار في النمو الاقتصادي وزيادة الرفاهية والتواصل. بالإضافة إلى أنه يفسح في المجال إمكانية الوصول إلى التعليم والاستدامة البيئية.

أما فيما يتعلق بالأعمال التجارية، ومن بينها ريادة الأعمال فإن الابتكار يساعدها على النمو ويمارس دورًا مهمًا للغاية من حيث النمو الاقتصادي. كما يساهم في حل المشكلات، خاصة مع استمرار تطور مشاكل العالم، وعلى وجه التحديد تلك المشكلات المتعلقة بحماية البيئة. وبالقدر ذلك، وفي مجال المال والأعمال يساعد الابتكار الشركات على البقاء في صدارة مساعي حل المشكلات المتغيرة باستمرار، خاصة في البلدان النامية. 

كما يساعد الابتكار أيضًا الشركات على تلبية احتياجات العملاء المتغيرة باستمرار. ويساعد الابتكار، أيضا، على توقع احتمالات تغير أوضاع الأسواق، ويقدم الحلول حتى قبل أن يدرك العملاء أن هناك مشكلة. هذا يعني أنه عندما يأتي الزبائن بصدد الشكوى، تجد الشركة المعنية نفسها قد أصبحت الحلول المناسبة بين يديها.

لكن ينبغي التنويه هنا إلى انه لا يوجد حل واحد سيصلح جميع المشاكل. لذا لا بد من التذكير بأن الابتكار ليس الحل السحري لكل المشكلات، لكنه يساعد على إيجاد العديد من الحلول لقضايا المجتمع، من التكنولوجيا إلى البيئة، إلى سوق العمل وكل شيء بينهما. ما نجح في الماضي لن ينجح دائمًا في المستقبل، على الرغم من كونه الحل الأفضل حاليًا. بطبيعة الحال هذا يجعل الابتكار ينطوي على مخاطرة، ولكن هناك دائمًا مكافأة كبيرة جدًا في النهاية، كون مخاطرات الابتكار محسوبة العوائد، فهي مبنية على مدخلات علمية، ومعالجات منطقية.