حوارات التنمُّر والتذمُّر

حمود بن علي الطوقي

قُلت في تغريدة نشرتها في حسابي على "تويتر"، وتفاعل معها عدد كبير من المتابعين، بل ووجدت تجاوبا على المقترح، عندما طالبت بملاحقة المسيئين ممن يبثُّون مقاطع هابطة ويظهرون كأرجوزات (دُمى): "أُصابُ بالغثاثة والقرف عندما أشاهد المقاطع الهابطة، والصور المقزِّزة تنتشر في شبكات التواصل الاجتماعي.. حقيقةً هذه المقاطع أصحابها سواء ذكورا/إناثا ينشرُون التفاهة والسخف. ويجب علينا التصدي لهم، بل يُتطلب من الادعاء العام ملاحقتهم ومحاسبتهم"، هذا ‏لأننا لا نرضى الإساءة لهُويتنا، وتمنيتُ عدم إعادة نشر مثل هذه المقاطع.

حقيقةً ما جَعلني أيضا أتطرَّق لهذا الأمر في هذا المقال مُشاهدتي لتلك الرسائل والمقاطع التي يتمُّ تداولها من قبل فئة قليلة من أبناء المجتمع، تلك المقاطع الهابطة التي تعكسُ تدني المستوى الفكري، وقلة الوعي لدى هؤلاء، أو تلك المقاطع التي تؤجِّج وتنشر الفتنة بين أبناء المجتمع بحجَّة أن من حقهم التعبير، وأنَّ حُرية الرأي مكفولة للجميع. وفي تقديري، وأوجه كلامي لهؤلاء المتذمِّرين، يجب عليكم معرفة مفهوم الحرية وحرية التعبير عن الرأي؛ فالرأي الذي يُطلق ويُراد نشره يجب أن يكون مبنيًّا على الحقائق والوقائع، ويجب أن يناقش من خلال مبادئ الحوار البناء الذي يعود لنا بالنفع، بدلا من التذمر وجلد الذات. وأرى -حسب متابعتي- أنَّ خطاب التذمر لدى فئة بسيطة من أبناء المجتمع يستقطع حيزًا كبيرًا من الوقت، وهذا الخطاب لا يُسمن ولا يُغني من جوع، بل يتغلَّف بالضبابية والسوداوية في الوقت الذي نتطلع لأن نرى الإيجابية والجدية في أطروحاتنا، وإذا ما كان هناك نقد فيجب أن يكون بناءً ينشده الجميع؛ لأنه يبحث عن التغيير، ويقدم حلولا جوهرية ومنطقية، ويطرح أفكارا نيرة بدلا من لغة الحوار السوداوية.

لاحظتُ وأنا أتابع الحوارات في مجموعات ومنتديات أنَّ هناك أصواتا قلة تتذمَّر و"لا يعجبها العجب أو الصيام في رجب" كما يقول المثل، وفي المقابل الإيجابيون من أبناء الوطن يمضون في ترجمة أهدافهم دون التفات للوراء، بل يمضون نحو الأمام بثبات وإخلاص في تأدية واجبهم الوطني دون كلل أو ملل.

شخصيًّا.. أنا من أشد المؤيدين للحوار، شريطة أن يكون هادفًا وبنَّاءً، ولا يمنع من تنظيم جلسات حوارية تطرح فيها الأفكار، وتناقش في ظل دعوة المسؤولين، وهنا أذكر الجلسات الحوارية التي تُنظَّم من قبل مجلس الخنجي، وهذه التجربة الثرية مُهمٌّ جدًّا أن تعمم، وأن نرى دور السبلة يعود من جديد كملتقى للحوار بين أبناء المحتمع، وتقام في هذه المجالس حلقات نقاشية تعود بالنفع على الوطن والمواطن، وتنطلق من أرضية صلبة، وتناقش المشكلة وتبحث عن الحلول من منظور واقعي؛ بحيث ينتهي الحوار إلى قناعة تامة بنتائج النقاش، حتى وإن لم يُؤخذ بها، لكنها تنطلق من مبدأ الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.

جميل جدًّا أن تكون الآراء في حواراتنا متباينة، وتنطلق من مبدأ العلم بالشيء، وحتى وإن تفاوتت الأطروحات يظل النقاش بعيدًا عن اللغة السوداوية، هذه اللغة التي وللأسف الشديد موجودة في واقعنا الاجتماعي.

علينا أن ننظر بيننا لنرى كم نحن سعداء بأننا نعيش في بيئة تستمع للرأي والرأي الآخر، هذه البيئة التى أعطت ومنحت المتحاورين السبل الكفيلة لطرح ومناقشة القضايا التى تعود بالنفع على المجتمع.

علينا أن نغرس لغة الإيجابية في أطفالنا؛ فهم عمود المستقل، وهم من سيحملون اللواء، ويقودن قاطرة التغيير البناء والإيجابي؛ فهذا الجيل يتأثر بمن حوله، وبما يُناقش من قضايا اجتماعية وغيرها.. علينا أن نؤهلهم للبناء والتعمير، وليس للحوار الذي يحتدم بالسوداوية وبفكر هش ورؤية ضيقة.

... إنَّ الجيل القادم يجب أن يقف على أرضية صلبة، وينغمس في حب العمل، ويحمل شعاع التنوير؛ لأنه باختصار: طاقات ستُحدِث التغيير إذا ابتعدنا عن التنمُّر، وغرسنا في أبنائنا قيم الأخلاق التي يتسم بها السواد الأعظم من أبناء عُمان.