ترجمة - رنا عبدالحكيم
بدا الأمر بسيطًا جدًّا بالنسبة لدونالد ترامب عندما اعتلى المنصة في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في يناير من العام الجاري؛ ففي بداية عام الانتخابات، كان التجمُّع السنوي لنخبة رجال الأعمال حول العالم فرصة لإطلاق حملته؛ حيث شرح ترامب بالتفصيل كيف نجح في تحويل دفة الاقتصاد الأمريكي الذي زعم أنه "جثا على ركبتيه" في عهد باراك أوباما.
وقال ترامب وقتذاك أمام حضور واسع: "اليوم، أنا فخور بأنْ أعلن أن الولايات المتحدة في خضم طفرة اقتصادية لم يشهد العالم مثلها من قبل". وأضاف: "لقد استعدنا خطوتنا، واكتشفنا روحنا وأعدنا إيقاظ الآلية القوية للمشروع الأمريكي. أمريكا مزدهرة.. ونعم أمريكا تفوز مرة أخرى كما لم يحدث من قبل".
وبحسب تحليل سياسي نشرته صحيفة "ذا جارديان" البريطانية، فإنَّ ترامب يدرك تاريخ بلاده جيدًا؛ حيث واجه معظم الرؤساء منذ الحرب العالمية الثانية منافسيهم، أما الذين لم يفعلوا ذلك فهم جيرالد فورد عام 1976، وجيمي كارتر في عام 1980 وجورج بوش الأب عام 1992؛ حيث لم يساعدهم اقتصاد ضعيف الأداء على الفوز في الانتخابات. لذلك، ومع ارتفاع سوق الأسهم إلى مستوى قياسي وتراجع البطالة لأدنى مستوياتها منذ أواخر ستينيات القرن الماضي، اعتقد الرئيس أن الطريق إلى النصر سيكون سلسًا!
وأُطلع ترامب على مخاطر "كوفيد 19"، وأبلغ عن أول حالة أمريكية في يوم خطابه في دافوس، لكنه لم يفكر للحظة في أن حملة إعادة انتخابه ستسير فوق جائحة عالمية، وبدا لبعض الوقت أنه ينكر خطورة الفيروس، مدعيا أنه "سيختفي قريبا".
وقبل المناظرة المباشرة الأخيرة يوم الخميس الماضي أمام منافسه الديمقراطي جو بايدن، كان قد تسبب الوباء في وفاة أكثر من 200 ألف حالة بالولايات المتحدة، ولا تزال معدلات الإصابة في ارتفاع. وقفز معدل البطالة إلى 15% مع إغلاق أجزاء كبيرة من الاقتصاد خلال فصل الربيع.
وبعيدًا عن قيادة الازدهار الاقتصادي العالمي، يقدر صندوق النقد الدولي أنَّ الولايات المتحدة -أكبر اقتصاد في العالم- ستسجل انكماشا اقتصاديا بأكثر من 4% هذا العام. وكانت آخر مرة انكمش فيها الاقتصاد بأكثر من 4% إبان الانتخابات الرئاسية عام 1932، عندما ضرب الكساد الكبير أنحاء العالم، عندما كان هربرت هوفر رئيسا، ولم يحصل هوفر على ولاية ثانية.
ويقول محمد العريان الرئيس التنفيذي السابق لشركة الاستثمار الأمريكية "بيمكو" والرئيس الحالي لكلية كوينز بجامعة كامبريدج، إنه في يناير الماضي بدا ترامب وكأنه سيتجنب مصير هوفر، لكنه يواجه الآن صراعًا شاقًا لهزيمة منافسه الديمقراطي بايدن. ويضيف العريان: "قبل ظهور كوفيد 19، كان ترامب سيفوز بفضل أمرين: أعظم اقتصاد في تاريخ الولايات المتحدة وأكبر سوق للأوراق المالية في تاريخ أمريكا... وانخفض معدل البطالة بين كل فئات من السكان، وتفوقت الولايات المتحدة على البلدان المتقدمة الأخرى، وكانت هناك سلسلة من الأرقام القياسية المحطمة في وول ستريت".
وعلى الرغم من تعافي الاقتصاد بعد الانكماش بنسبة 10% تقريبًا في الربع الثاني، إلا أن معدل البطالة الرسمي ظل عند 7.9%، ضعف مستواه قبل الأزمة. وعلاوة على ذلك، يشير المستوى المرتفع من مطالبات البطالة الجديدة إلى أن الانتعاش بدأ يفقد قوته؛ حيث يعزل الأمريكيون أنفسهم في مواجهة حالات تفشي جديدة للفيروس.
وحاول ترامب اتباع نهج آخر بعد أن أصبح غير قادر على الادعاء بأنه يترأس أقوى اقتصاد أمريكي على الإطلاق على مدى الأسابيع القليلة الماضية، وهو التغني بأنه المرشح الأفضل لتأمين التعافي الاقتصادي. ويحرص الرئيس على تمرير مشروع قانون لتحفيز جديد، في الكونجرس قبل يوم الانتخابات.
ويقول ديفيد بلانشفلاور أستاذ الاقتصاد في كلية دارتموث في نيو هامبشاير وعضو سابق في لجنة السياسة النقدية لبنك إنجلترا المركزي، إن الولايات المتحدة تعاني من البطالة وقلة فرص العمل، وأن أرقام البطالة الرسمية لا تعكس حقًا حالة سوق العمل. وأضاف: "معدل البطالة الحقيقي ارتفع من 4% إلى 20% في 6 أسابيع".
ولعدة أشهر، كان ترامب يحاول الحصول على حزمة تحفيز جديدة من خلال الكونجرس، لكن بلانشفلاور يقول إنه سمح للديمقراطيين بمد أجل المحادثات لفترة طويلة جدًّا. ويقول: "حتى لو تم الاتفاق على صفقة، فإن الناخبين لن يشعروا بالتأثير قبل الانتخابات".
ومع بقاء أقل من 10 أيام، لم يعد الوقت والتاريخ في صالح الرئيس، ولا الجائحة. وكما يقول العريان، فإن هذه الانتخابات لا تتعلق فقط بمن هو الأفضل في إدارة الاقتصاد ولكن أيضًا من سيكون الأفضل في معالجة كوفيد 19 ومن يمكنه الحفاظ على سلامة الأمريكيين.