"المستترة" وتواطؤ تجار المأذونيات

حمود بن علي الطوقي

لا مجال لمُعالجة تشوهات سوق العمل إلا بوجود تشريعات وقوانين صارمة ولعلَّ الجميع يتفق حول التحديات التي تُواجه سوق العمل خلال السنوات العشر الماضية والتي نتجت عن توسيع رقعة وتفاقم ما يسمى بالتجارة المستترة التي يقف وراء انتشارها تجار وهميون أقل ما يمكن أن نطلق عليهم أنهم تجار بيع المأذونيات.

هذه التجارة التي تناقش وتطرح بقوة ما زالت تتفاقم وهذا ناتج عن وجود العديد من المنتفعين ولابد من الضربة الحديدية لتحطيمها وبناء منظومة جديدة لمعالجة الأخطاء السابقة. وكون أننا نناقش بين الفينة والأخرى الآثار السلبية من التجارة المستترة فقد ذكرت في تغريدة حقيقة مؤسفة عن تفشي ظاهرة التجارة المستترة من بيع المأذونيات، وطرحنا اقتراحًا بفرض رسوم جديدة على مأذونية عمل لتصل إلى 600 ريال مع اسثنناء المُؤسسات الصغيرة والمتوسطة من رفع الرسوم كون أن هذه المؤسسات تدار من قبل العُمانيين.

هذه التغريدة لم تلقَ تجاوباً بل إنَّ السواد الأعظم من الردود كان ضد رفع الرسوم ولكن هناك فئة رأت أنَّ المقترح يحمل حلولا للحد من انتشار التجارة المستترة وكشف حقيقة تجار بيع المأذونيات.

من ضمن الآراء التي حملت حلاً جزرياً للحد من هذه الظاهرة أهمية إصدار مرسوم سلطاني سامٍ بتجريم ممارسة هذه التجارة وتغليظ العقوبة على التاجر المستتر من يتسبب في بيع المأذونيات وهناك أصابع اتهام توجه لموظفين حكوميين، وأجزم أنه في حالة صدور هذا المرسوم سنكون قد وضعنا المفصل على المقصل والدواء على الجرح، وبذلك سنصل إلى وجود حل لمُعالجة أحد التحديات التي واكبت قطاع العمل والأعمال على مدار السنوات الماضية.

لابد من تشريع وقوانين رادعة تحد وتضيق مساحة ممارسة لهذه الظاهرة التي أصبحت تمارس على العيان وفي ضوء النهار، وسبق لي أن تناولت في مقالات سابقة المشاكل والتحديات التي تواجه الجميع  وكلنا على علم بأنَّ الوافد هو من يُدير التجارة وأنَّ المواطن ليس إلا مجرد اسم يستغل ويرضى بقليل من الريالات مُقابل ما يجنيه الوافد من آلاف الريالات كلها تحول إلى الخارج حتى أصبحت تحويلات الأجانب تمثل قلقاً ووصلت نحو مليار ريال سنوياً تحول دون قيود أو ضرائب.

أجدني أكتب من جديد في هذا الموضوع وقد أشبع نقاشا وتحليلا على كافة المستويات ولكن يبدو أنَّ البوصلة تتجه إلى نفس النهج رغم قناعتنا بأنَّ هناك حاجة لتغيير مسار البوصلة ليكون المواطن العماني من يُدير تجارته فيما يكون الوافد عاملاً يتمتع بحقوقه كما يحددها القانون.

وربما لابد من مناقشة هذا الملف من خلال مجلسي الدولة والشورى ليضع حلولاً قابلة للتطبيق والتنفيذ لمعالجة والحد من هذه الظاهرة ونتمنى كمجتمع أن يكون القانون حاسماً وبنوده تكون جادة في مُعاقبة المخالفين وأن نرى مستقبلا تجانساً بين الأطراف ذات العلاقة.

بالأمس القريب قمت بزيارة صديق لي يعمل مع والده في بيع منتجات الإنارة وكل ما يتصل بهذا النشاط، تحدثنا عن نشاط البيع والظروف الاقتصادية والتحديات المستقبلية فكان حوارا صريحا يحمل آلام رجل أعمال عماني يرى بأم عينه التجاوزات واستغلال التجار الوافدين وتعاونهم معاً لمنافسة التاجر العماني وإخراجه من دائرة المنافسة.

صديقي رجل الأعمال الذي يعمل في هذه المهنة مع والده منذ أكثر من 40 سنة كان يحدثني عن قصص تستغرب منها وكأنها قصص خيالية، حدثتي عن نشاط بيع المواد الصحية والإنارة والأحجار والسيراميك وأشار إلى أن الشارع الذي يقع فيه محله ويعرف بشارع هوندا أو شارع البلدية حسب التسمية الرسمية فإن جل المحلات تدار من قبل الوافدين، وهي ما نطلق عليها التجارة المستترة. قال: تخيل معي الكم الهائل من هذه المحلات هي للوافدين وأن عدد المحلات التي تدار بواسطة التجار أبناء البلد لا يتعدى أصابع اليد الواحدة، هذه المشكلة تتسع رقعتها عاماً بعد عام لتشمل كافة الأنشطة التجارية.

ويجب هنا أن نكون واقعيين ونوجه أصابع الاتهام للمواطن (الكفيل) الذي ارتأى أن يكون مساهما في تمكين الوافد ليتربع في سوق العمل ويكون المواطن مجرد اسم لا حول له ولا قوة؛ ارتضى أن يكون سببًا في تمكين الوافد ليكون تاجرا متفردا في قراراته دون أن يلجأ للمواطن (الكفيل) الذي منح الصلاحيات المطلقة للعامل الوافد.

أعتقد أنه آن الأوان لوضع حد لتفشي هذه الظاهرة المقلقة، والأمر يتطلب أن نتعاون جميعاً مواطنين وتجارا ومسؤولين لرسم خارطة طريق جديدة قادرة على توجيه البوصلة نحو فتح آفاق جديدة أمام التاجر العماني.