"قواعد العدوى" يكشف حقيقة "النمذجة الحسابية" للأمراض المعدية

ترجمة - رنا عبدالحكيم

يكشفُ عَالِم الأوبئة البريطاني آدم كوتشارسكي، في كتابه: "قواعد العدوى.. لماذا تنتشر؟ وما سبب توقفها؟"، حقيقة النمذجة الحسابية للأمراض المعدية، والتي بدأت في الانتشار خلال الأونة الأخيرة.

وبَطَل الكتاب هو رونالد روس الطبيب البريطاني الذي اكتشف في أواخر القرن التاسع عشر أنَّ البعوض ينشر الملاريا، ونال عن ذلك الاكتشاف جائزة نوبل للطب عام 1902. ولم يكن روس أول من وصَّف الوباء حسابيًّا، لكنه كان أول من فعل ذلك، متسلحًا بفهم شامل للعمليات البيولوجية والاجتماعية التي تشكله، وقد أحدث هذا فارقًا كبيرًا في فيهم المرض وانتشاره. وفي حين أن الآخرين أمعنوا دراسة تاريخ العدوى، وكيفية انتشار الأوبئة مع مرور الوقت، إلا أنَّ روس اتخذ اتجاها معاكسا، ووضع تنبؤات مستقبلية حول احتمالات ومسارات تفشي الأوبئة، وكيف يُمكن أن تؤثر التدخلات المختلفة في هذا السياق. وتشكل أفكار روس أساس النمذجة الحديثة للأمراض، وإستراتيجيات مختلف الحكومات لمكافحة وباء كوفيد 19. ويعود الفضل جزئيًّا إلى روس في تولد مفهوم مناعة القطيع، وهو أمر متفائل لأنه يعني أنه لا يجب سحق كل بعوضة، كما أنه لا يتعين تطعيم كل شخص باللقاح، من أجل حماية السكان من المرض.

وكلمة "وباء Pandemic" في اللغة الإنجليزية يونانية الأصل تعني "على الناس"، واستخدمها أبقراط للإشارة حصريًّا إلى انتشار المرض، وطبقها الإغريق على أي شيء ينتشر بين السكان من الضباب إلى الشائعات إلى الحرب الأهلية. والمدهش في حكاية كوتشارسكي هو كيف عدنا إلى تلك النظرة التي كانت سائدة قبل أبقراط. وطوّر كل من روس وعالمة الرياضيات هيلدا هدسون، أفكارهم حول انتشار المرض في "نظرية الأحداث" الأوسع، لكنهما ميزا بين الأحداث "غير المستقلة"، مثل مرض معد، والأحداث أو "المستقلة"، التي لا يمكن أن تنتقل من شخص لآخر. وفي الفئة الأخيرة وضعا الحوادث والطلاق والأمراض المزمنة من النوع الذي يقتل معظمنا اليوم.

وبعد قرن من الزمان، تغيَّرت الأفكار؛ فالتفكير الآن يرتكز على أن العديد من الأشياء التي قد يعتبرها هدسون وروس "مستقلة" مثل: السمنة، والتدخين، وحتى الشعور بالوحدة، أصبحت ملحوظة أيضًا. فقد بتنا نتحدث عن "العدوى المالية" و"أوبئة جرائم الطعن"، وهي تعبيرات لفظية مستعارة من قطاع الصحة العامة، في محاولة القضاء على هذه المشاكل في مهدها، أو على الأقل إبطاء انتشارها.

وأوضح روس أن المرض لا يمكن أن يحصل على موطئ قدم في مجموعة سكانية إلا إذا فاق عدد الإصابات الجديدة عدد حالات الشفاء.

ويدُور أحد أكثر أجزاء الكتاب إثارة للاهتمام وموضوعًا حول النمذجة الحسابية للأخبار المزيفة؛ حيث يتوصل الكتاب إلى أن مثل هذه الأخبار "معدية"، وإن كان ذلك من خلال آليات خاصة، إذ يمكن لـ"وباء" الأخبار المزيفة أن يغذي ويتفاعل مع جائحة من الأمراض المعدية. لكن لحسن الحظ، بدأ واضعو النماذج الحسابية في التعامل مع كيفية انتشار الأخبار المزيفة، وكيفية إيقافها، وقد تم بالفعل ترجمة أفكارهم إلى واقع عملي. ففي جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي تواجه أوبئة عدة مثل كوفيد 19 وشلل الأطفال والحصبة إضافة إلى الإيبولا، فإن ثلث القوى العاملة المشاركة في الاستجابة للإيبولا هم علماء الاجتماع الذين تتمثل مهمتهم في بناء الجسور مع السكان المحليين وفهم تفكيرهم حول المرض، وتعزيز المعلومات السليمة أثناء مواجهة الشائعات.

وبحسب الكتاب، فإنَّ الذاكرة أيضًا معدية والنسيان كذلك؛ فمثلا نسيت الإنسانية بشكل جماعي أسوأ كارثة في القرن العشرين، وهي ما يسمى بالإنفلونزا "الإسبانية" التي حدثت منذ ما يزيد قليلاً على قرن من الزمان، لكنها باتت الآن ملء السمع والبصر.

ويتساءل الكتاب: هل ستصمد هذه الذاكرة التي أعيد إحياؤها إلى ما بعد الوباء الجديد، أم أنها ستغرق مرة أخرى في رواسب عقولنا بمجرد زوال الخطر وتجاوزها لمنشورات شبكات وسائل التواصل الاجتماعي؟

ويرى الكتاب أنَّه من السابق لأوانه الإجابة، لكن يمكن للمرء أن يجادل في أن نسياننا الطويل لهذا الوباء أضعف حافزنا للاستثمار في أنظمة الرعاية الصحية والقيام بكل الأشياء الأخرى التي حثنا خبراء الصحة العامة على القيام بها لعقود من الزمن، لإعداد أنفسنا للمرحلة التالية.

ويقول صانعو النماذج الحسابية: "إذا درست وباءً واحدًا، فقد درست بالفعل... وباءً واحدًا. إذ لا يتصرف كوفيد 19 مثل الأنفلونزا والتي لا تتصرف -بدورها- مثل الإيبولا".  ويشرح الكتاب كيف توصل العلماء إلى النمذجة الحسابية، ولماذا يشيرون إلى أن ما يقوم به كل فرد في العامل من إجراءات سيحدث فرقًا في المستقبل. وقد لا يزال هناك الكثير من عدم اليقين حول كوفيد 19، لكن الأمر الواضح بالنسبة لكوتشارسكي وزملائه في مدرسة لندن للصحة وطب المناطق الاستوائية من مصممي النماذج، أنَّ هذه النماذج الحسابية بمثابة تجربة تعليمية ثرية.

تعليق عبر الفيس بوك