"حرب القوقاز".. أمريكا "الضعيفة المُشتتة والمستنزفة" لا تقوى على إخماد النيران

ترجمة - رنا عبدالحكيم

لا تزال الحربُ مُستعرة في إقليم ناجونو قرة باغ، المتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان، وتسبَّبت المعارك الشرسة خلال الأيام العشرة الماضية في مقتل أكثر من 200 شخص، مُعظمهم من الجنود، وتستمرُّ القذائف في السقوط على البلدات في الإقليم وما حوله، بينما تتسكَّع طائرات بدون طيار تركية الصنع في السماء قبل تفجير أهداف على الأرض وتصوير الدمار، ليتم نشرها على موقع يوتيوب... هذه ليست مجرد حرب صغيرة في مكان بعيد، إنها معارك عنيفة تخدم قوى إقليمية ودولية أكبر، لكن الخطر يتصاعد والخوف يكبر من أن تصبح هذه الحرب أكثر دموية وأشد شرًّا.

وبحَسْب تقرير لمجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية، فثمَّة أطراف فاعلة في هذه الحرب، منها روسيا التي ترتبط باتفاقية أمنية مع أرمينيا، بينما تدعم تركيا أذربيجان، التي ينتمي شعبها عرقيًّا وثقافيًّا إلى الأتراك، ويرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الصراع فرصة لتأكيد ذاته كقائد إقليمي مهيمن وبطل مسلم، كما يفعل حرفيًّا في سوريا وليبيا. وحتى الآن أذعنت روسيا، لكن ذلك قد لا يستمر. أما إيران، فتقع على حدود البلدين ولديها أقلية آذرية كبيرة، يُمكن دفعها بسهولة إلى المشاركة في الحرب، كما أنَّ خطوط أنابيب الغاز القادمة من بحر قزوين تجري بالقرب من الخطوط الأمامية للقتال في الإقليم المتنازع عليه.

وسَعَت أطرافٌ عِدَّة للدفع نحو خطوط عريضة للحل في هذا الإقليم على مدى أكثر من عقد من الزمان؛ أهمها: ضرورة أن يتمتع ناجورنو قرة باغ بوضع الحكم الذاتي المضمون قانونًا، وأنْ يتم إنجاز ذلك وفق قرار نهائي بناءً على خطوة دستورية مثل الاستفتاء. وفي المقابل، سيتعيَّن على أرمينيا إعادة المناطق الأذربيجانية التي استولت عليها في أوائل التسعينيات، مع الاحتفاظ فقط بممر ضيق يربط أرمينيا بناجورنو قرة باغ. وقبلت الحكومتان ذات مرة هذه المبادئ على نطاق واسع. والآن، ورغم ذلك، لا أحد على استعداد لتقديم تنازلات.

وفي الماضي، عجَّ المشهدُ السياسيُّ في البلدين بالمفاوضين، من مجموعات صنع السلام والدول المعنية؛ في محاولة لبناء جسر الثقة محليا وإقليميا. لكن في ظل وباء كورونا، بات هذا النوع من الدبلوماسية أكثر صعوبة في مناطق الصراع في جميع أنحاء العالم.

غير أن المشكلة الأكبر تتمثل في غياب القيادة العالمية؛ فقد ساعدت أمريكا وروسيا في سريان وقف إطلاق النار عام 1994 في تلك المنطقة، وفي الماضي أبقت القوتان سيطرتهما على الأوضاع. لكن في عهد الرئيس السابق باراك أوباما بدأت أمريكا تتجه نحو الداخل، وخلال فترة رئاسة دونالد ترامب، توسطت واشنطن لتحسين العلاقات بين الحكام العرب وإسرائيل، التي تعاني من تدهور داخلي شديد، وتتخلى بالكامل تقريبا عن مسار السلام. أما حلف شمال الأطلسي "ناتو" الذي ربما كان في الماضي منتدى مفيدًا لحث أردوغان على وقف التدخل، والضغط على المقاتلين لإلقاء أسلحتهم لم يعد الآن كما كان؛ لأنَّ ترامب لديه القليل من الوقت للفوز بولاية رئاسية ثانية، تستحوذ على كل تفكيره وجهوده.

وتقول مجلة "ذي إيكونوميست" في تقريرها، إنه من المرجح أن الرؤساء الأمريكيين السابقين خصصوا الوقت والقوة العقلية والعضلات لمنع الحرب في القوقاز، لكن ترامب لم يُظهر أي اهتمام حتى قبل أن يمرض بفيروس كوفيد 19.

وفي الماضي، ربما كانت روسيا أيضًا عملت على كبح أردوغان، لكن فلاديمير بوتين مثل ترامب، منشغل بمشاكله الداخلية، ولا يرى ضررًا كبيرًا في السماح للرجل القوي في أنقرة بإلحاق الأذى وفق "حدود معينة"، علاوة على أن موسكو ترى أن أي أمر يدق إسفينًا بين تركيا وحلف الناتو، هو محل ترحيب واستحسان من قبل الكرملين.

ويختتم التقرير بالقول إنَّ ثمة العديد من "النزاعات المجمدة" حول العالم؛ حيث لم تستعر الحرب بعد، لكنَّ التوترات لا تزال قائمة وكامنة، والمظالم التاريخية أو الإقليمية آخذة في التفاقم. وتكمن مشكلة الصراعات المجمدة في أنها قد تتحول للهيب حارق في أي لحظة. وفي عالم تكون فيه القوة الديمقراطية العظمى مُستاءة ومستنزفة ومشتتة، فإنَّ تجنب الحروب بات أصعب بكثير مما كان عليه أو كما ينبغي أن يكون.

تعليق عبر الفيس بوك