مع فرض المزيد من عمليات الإغلاق مجددا بسبب "كورونا"

الحقيقة المؤلمة: لا عودة إلى الحياة الطبيعية

ترجمة - رنا عبدالحكيم

رسمت ديفي سريدهار رئيس قسم الصحة العامة العالمية في جامعة إدنبرة البريطانية، صورةً سوداويَّة للحياة ما بعد كورونا؛ حيث أكدت أنَّ الحياة لن تعود إلى الوضع الطبيعي، حتى في حالة اكتشاف لقاح للفيروس.

وقالت سريدهار -في مقال بصحيفة "ذا جارديان" البريطانية- إنَّ العالم تغير تغيرا جذريا خلال الأشهر التسعة الماضية منذ تفشي فيروس كورونا في ووهان بالصين. إذ لم تعد الحياة إلى طبيعتها في أي مكان بالعالم، حتى لو حاول السياسيون إقناع العامة خلاف ذلك. وتجزم سريدهار بأنه بينما تكافح الدول للتأقلم مع الأوضاع الجديدة، فإنَّ الأمر المؤكد بشأن العام المقبل هو عدم اليقين إزاء أسلوب الحياة.

وتضيف أنه على غرار ما تشهده المملكة المتحدة؛ حيث تكافح الحكومة لتطبيق أفضل السبل للسيطرة على انتشار الفيروس مع الحد الأدنى من الضرر الاقتصادي والاجتماعي. ويتَّضح الآن أن كل بلد في جميع أنحاء العالم وضع نوعا من القيود بدرجات متفاوتة للحد من تفشي المرض.

وتقول سريدهار: "كعالِم، كثيرًا ما يوجه لي سؤال عما يجب فعله وما لا يجب فعله، وكيفية التعامل مع هذا العالم الجديد غير المؤكد".

وتسرد سريدهار نصائحها في المقال المنشور بـ"الجارديان"، حول أفضل السبل للاستمتاع بالحياة واستعادة الحياة الطبيعية مع تحلي كل فرد بالمسؤولية.

وقالت إنَّ نصيحتها الرئيسية هي مغادرة أي مكان يضم أشخاصا آخرين. فقد أظهرت الأبحاث أن 97% من أحداث "الانتشار الفائق" تحدث داخل المكاتب، بينما انتقال العدوى في الهواء الطلق ضئيل للغاية. وإذا كانت البيئة الداخلية سيئة التهوية ومزدحمة ولا يرتدي أحد الكمامات؛ فمن الأفضل تجنب البقاء فيها ولو لوقت قصير. وقالت إن المتاجر غير الأساسية ووسائل النقل العام تبدو آمنة نسبيًّا مع استخدام الكمامات، لكن حان الوقت الآن لتجنب السفر غير الضروري وزيارة المتنزهات القريبة.

ومع وجود فيروس ينتشر من شخص لآخر، فكلما زاد التواصل مع الآخرين زادت احتمالية التعرض للعزل، في حال اكتشاف أن أحد المخالطين أظهر نتيجة إيجابية لفحص كورونا. وتطرح سريدهار سؤالا حول عدد الأشخاص الذين يتواصل معهم اي فرد عن قرب كل أسبوع، مشيرة إلى أن هذا يعني الأشخاص الذين على اتصال جسدي وثيق لفترة طويلة من الوقت (أكثر من 10 دقائق) وعلى مسافة قريبة، يمكن أن يسببوا انتقال العدوى اذا كانوا حاملين لها.

وسُجلت حالات إصابة بالعدوى للمرة الثانية لكن أحيانًا بدون أعراض أو بأعراض خفيفة، أو في حالة واحدة على الأقل، تكون أكثر خطورة وتتطلب دخول المستشفى. ولذا الإصابة بكورونا والتعافي منها لا تضمن مناعة مدى الحياة.

وممَّا يُثير القلق أن بعض الأشخاص المتعافين من الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و59 عامًا يعانون منذ شهور من إجهاد رهيب وتلف في الرئة ومشاكل في القلب توصف جميعها بـ"كوفيد المزمن". وترى سريدهار أن أزمة "كوفيد 19" لا يُمكن حصرها في مجرد فقد الأرواح، لكن الإعاقة المصاحبة للمصابين صغار السن، خاصة من هم في سن العمل، فضلا عن العبء الذي يضعه هذا الفيروس على الاقتصاد والخدمات الصحية.

إذن.. لماذا المخاطرة بعقود محتملة من اعتلال الصحة بدلاً من تحمل بضعة أشهر من الإزعاج؟

فإضافة إلى الخطر الذي يشكله "كوفيد 19" على الأفراد، تؤثر أفعالنا على الآخرين بما في ذلك الأشخاص الضعفاء وكبار السن. وعلى الجميع أن يفكروا في الأمر على أنه سلسلة من العدوى، فإذا كنت جزءًا من هذا ونقلته لآخرين؛ فقد يمرض الآخرون ويموتون بسبب دورك في نقل العدوى عبر هذه السلسلة. فعلى سبيل المثال، أسفر حفل زفاف في ولاية ماين عن إصابة أكثر من 170 شخصًا بالفيروس ووفاة سبعة أشخاص. ولم يحضر أي من الذين ماتوا حفل الزفاف!

وترى سريدهار أن البديل الوحيد لمزيد من القيود وتعديل سلوك البشر هو نظام فحص وتتبع فعال، فعادة ما يسهم الاغلاق في وقف مؤقت لانتشار الفيروس، وبمجرد رفع القيود، يعاود الانتشار. ولذا يجب أن يكون الهدف الرئيسي للإغلاق تنفيذ إجراءات فحص وتعقب جماعية، من أجل البحث بقوة عن انتقال الفيروس في المجتمع والقضاء عليه (مثل ما حدث في الصين وتايوان وفيتنام ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية). ومن شأن ذلك أن يوفر الوقت للعلم لتطوير الحلول، مثل عقار ديكساميثازون، ودعم قدرات قطاع الرعاية الصحية، وبالتالي فإن إغلاقا لمدة أسبوعين لا معنى له.

وانتقدت سريدهار تعامل الحكومة البريطانية مع الفيروس، وقالت إنه بعد 9 أشهر من بدء كوريا الجنوبية والسنغال في بناء القدرات التشخيصية للمرض، من المحزن بشكل هزلي أن حكومة المملكة المتحدة- وهي واحدة من أغنى الحكومات في العالم- ليس لديها نظام فحص يعرض النتائج في غضون 24 ساعة. إضافة إلى ذلك، نظرًا لأننا نعلم أن الفيروس ينتشر بسهولة بين الأسر، يجب أن يحصل أولئك الذين ثبتت إصابتهم بالفيروس على عرض للعزل في مرافق خارجية مثل الفنادق.

وتؤكد سريدهار أن العالم يمر بوقت عصيب للغاية، ومن الطبيعي تمامًا أن نحزن على حياتنا الطبيعية المفقودة، لكن يجب أن يتبع ذلك قبولا بالوضع الجديد، وقد آن الأوان للحكومات أن تضع خططا طويلة المدى للتعامل مع خطورة أزمة فيروس كورونا.

تعليق عبر الفيس بوك