خطة الإنقاذ العاجلة

وليد الخفيف

حلَّ الخريفُ فتساقطت أوراق الشجرة العاقر تحت زخات مطر التغيير ونسائم التعديل؛ فالجذور التي ارتوت لسنين من بئر المنفعة شاخت وتخوخ قواها مترنحة تؤول للسقوط، فلن يجديها التمسك بأهداب محركها نفعا، وأضحى الرحيل بعد تجفيف المنابع أمرا كان مفعولا.

ويقول آينشتاين لا يُمكننا حل مشكلة باستخدام نفس العقلية التي أنشأتها، وتطبيقا لنصيحة العم آينشتاين فتمديد فترة ولاية مجالس إدارات الاتحادات الرياضية بات واجبا؛ إذ إنَّ عقد الانتخابات في ظل الوضع الوبائي الراهن وفق المعطيات المعمول بها سَلفا، سيكون بمثابة خطوة للخلف في طريق مظلم كلما مضينا في دروبه ازدادت كلفة العودة، فالنجاح هو القاضي الدنيوي الوحيد للصواب والخطأ.

وتبدو الأسباب وجيهة لتمديد فترة ولاية مجالس الإدارات الحالية، أما ردة الفعل الرافضة من قبل الأقلية فمتوقعة وطبيعية والسبب في بطن الشاعر.. فالتمديد وضع حدا لإنجاب مجالس إدارات من رحم النظم الأساسية المليئة بالثغرات.. أنظمة فصَّلها البعض لضمان البقاء على الكرسي الذي يشع ببريق المصالح، وأضواء المنافع، وتصدُّر المشاهد.

فالتمديد المرتقب بدَّد جهود تكتلات المصالح المشتركة "انتخبني وأنتخبك"، وستكون هناك فرصة مواتية أمام وزارة الثقافة والرياضة والشباب لصياغة نظام أساسي موحد، يعالج ثغرات الماضي، ويحمل مشعل الأمل أمام جيل جديد. تشريع يقوِّض فرص استغلال المنصب لأهداف شخصية أو استخدامه كمنطاد للقفز على مناصب دولية لا تفيد إلا صاحبها، تشريع  تكون غايته ووسيلته المصلحة العامة فقط.

وسيحمِي التمديد المنتظر المجالس القادمة من الطعون؛ نظرا لمخالفات قد تضع مخرجات العملية الانتخابية في حكم العدم.

وسيظلُّ الشك سورا يحيط بأي مخرجات انتخابية إذا ما انعقدت خلال العام الجاري؛ فالإجراءات خالفت النظام الأساسي الهش، فآلية تشكيل اللجان المشرفة على الانتخابات تبدو كافية لتبدد نتائجها؛ فاللجنة ليست من خيار الجمعية العمومية، ولم تنبثق عنها لجان فرعية مثل لجنتي تلقي الطعون والاستئناف، بل استعانت بعض المجالس بمن يرتبطون معها بعلاقات متبادلة لتولي رئاسة اللجنة، وأُسند لموظفي تلك الاتحادات وهم تحت إمرة المجلس الحالي استقبال أوراق المترشحين كأعضاء فاعلين، وطفا على السطح الشك والريبة عندما حددت بعض الاتحادات -دون معيار واقعي- الأندية التي يحق لها التصويت من عدمه، والأشخاص المتمتعون بحق الترشح دون الاخر. فالأشهر الماضية شهدت اختراقات للنظام الأساسي لم يسبق لها مثيل والدلائل مسجلة، والدورات التدريبية التي شهدت مناطق دون الأخرى لتفعيل بند حق الترشح والتصويت تنطق صدقا؛ فالبنود اختلت موازينها وخلت الإجراءات من الحيادية، لتتقاطع الطرق نحو إعادة مجالس الإدارات الحالية لفترة جديدة رغم خلو سجل بعضها من الإنجازات. وعاب المشهد المثقل كاهله بالغياب القصري لمنتخبات إمَّا مُجمَّدة أو غير مُدرجة في التصنيف الدولي أو موسمية الظهور، ولا عزاء لإنفاق مُقدَّرات الدعم على البنود الإدارية، وما ضمنتها من حوافز ورواتب وبدلات ومكافآت، ولا تنسوا أن تنقلوا للشارع أنكم متطوعون.

ورغم أنَّ السلطنة كانت سبَّاقة في التحول من نظام التعيين إلى الانتخابات، في خطوة انتهجتها الجهة الإدارية -الوزارة المعنية- لاتفاقها مع النظم الدولية وانسجاما مع التجارب الناجحة في كثير من الدول، بيد أن التحول المشفوع بديمقراطية فضفاضة استُغلت في مسارات مُتعرِّجة، خرجت بها عن مسار التطور المنشود  لملامسة المصالح والغايات الشخصية التي طفت على السطح الراكد.

ويستندُ توجُّه تمديد فترة ولاية مجالس إدارات الاتحادات الرياضية حتى أكتوبر 2021 إلى اعتبارات منطقية وأسباب قانونية واضحة؛ فتمديد فترة الاتحادات المحلية يأتي انسجاما مع تأجيل انتخابات اللجنة الأولمبية الدولية إثر تأجيل العرس الأولمبي الأهم "طوكيو 2020".

ومَنحَت الاتحادات الدولية نظيرتها الوطنية الحرية في تأجيل انتخاباتها؛ باعتبار أنَّ مواجهة وباء كورونا أولوية للدول في تلك المرحلة، ووصف قرار التأجيل بأنه شأن داخلي يتفق مع قرار اللجنة الأولمبية الدولية وقرارات بعض الاتحادات الدولية بالتأجيل للعام المقبل.

وطفا على السطح من قبل المتشدقين بإقامة الانتخابات هذا العام نبرة الرفض المبطن، غير أنَّ البالون الفارغ بدأ يتهاوى أمام موافقة محمودة لعمومية الاتحاد العماني لكرة القدم على خيار التمديد.

ونظرًا للوضع الوبائي الاستثنائي الذي وضع الملايين حول العالم على أسِرَّة المرض، وأودى بحياة الألوف إلى العالم الآخر، بات من حق الحكومات اتخاذ ما تراه مناسبا من قرارات، كما فتح تأجيل انتخابات الأولمبية الدولية والاتحادات الدولية الباب على مصراعيه أمام خيار تمديد فترة المجالس الحالية لتحقيق الانسجام الزمني بين المجالس الوطنية والدولية.

ويبقى لبعضهم أن يعرف أن الأندية ملكٌ للحكومة، وأن المجالس المنتخبة يقتصر دورها على الإدارة لفترة زمنية معلومة، وأنَّ هذه الأندية والاتحادات الرياضية تتلقَّى دعمًا حكوميًّا سنويًّا تنفق منه على أنشطتها، وأنها تمارس أنشطتها على ملاعب الحكومة ومرافقها، وتستفيد من البنية الأساسية الحكومية المتنامية عاما تلو الآخر، وحتى في حال الاستقلالية المالية؛ فالإشراف المالي والإداري باقٍ كحقٍّ أصيل للجهة الإدارية، ومن حق الحكومات اتخاذ ما يلزم من قرارات في حالات القوة القاهرة والظروف الاستثنائية.

ندرك ختاما أنَّ التغيير مثل الشفاء يستغرق وقتا، وأن الديمقراطية الفضفاضة تسبَّبت في مزيد من الأطماع.. لذا فالحاجة ماسة لديمقراطية لها أنياب لتدافع عن المقدرات.