لماذا ولمَنْ نكتب؟

 

جيهان رافع

تدور أعجوبة الكتابة حول الأفكار التي جعلت منها حقيقة ملموسة محسوسة تنطلق بخيال الكاتب إلى ما لا يُعقل وما يُعقل، ذكريات حدثت معه أو لغيره ثم سقطت من قلمه على أديم الورق كقطرات المطر نثرها الغيم على أرض فلّاحٍ راح ينتظر ما ستنبته من مواسم فرحٍ ونجاح.

قبل التَّوغل بالكتابة يظن الكاتب نفسه أنَّه أصيبَ بحالة فقدان للذاكرة ثمَّ بعد البدء بقليل تأتي البذور الفكرية ترتدي حللها الوردية تتمايل بين ذكرياته لتتفتح أزهارها على أوراقه فتُصبح الرواية أو القصة أو القصيدة حياة مُختلفة عن حياته العادية يعيش بين أبطالها الذين يقطنون ذاكرته أو أوراقه حالات مُتعددة ومنها ما يخطفه من يومه العادي إلى استثناءٍ لساعات غير عادية يسير إليها كسائر في نومه تشدّه إليها كمتعبٍ أراد قسطًا من الراحة أو حين تبدأ أحلامه تنطفئ فينهض من سبات الاندفاع ويتابع مسيرته برفقة كلماته على طريق المحاولات المُتجددة ليصنع من أوراقه حدودًا لوطنٍ من الكلمات يدخله حين يشاء ويخرج منه إلى ما يشاء ويعيش معه وبه كل المشاعر المكبوتة ويقول له بكل الصمت عمّا يشاء فهو يحفظ أسرارَ قلبه ويمثل عنه في بعض الأحيان ما لا يُريد لأحد أن يعرفه منه مُباشرة.

وكما قيل: "ليس من المهم أن يكون على رأسي تاج ما دام بيدي قلم". وقال توماس أديسون: "النقاش يصنع الرجل المستعد، والكتابة تصنع الرجل الدقيق".

ولا شك أنَّ من يُريد أن يتجه إلى الكتابة عليه بالقراءة لفترات طويلة كي يُصبح مستعدًا وإذا كان هدف الشخص هو تأمين مردود مادي فقط فعليه الانتظار لمدة طويلة وربما لسنين عديدة حتى تتبلور تجربته وتأخذ لغته سبيلها إلى قلوب النَّاس وعقولهم فهذا ليس طريقًا سهلًا بل هو مليء بالأشواك وتمزيق الأوراق وتمزيق الأحلام في بعض الأحيان فليس كل حلم يحلم به الكاتب سيتشكل بالواقع غيومًا مُمطرة تروي عطشه للشهرة وتُحقق له حلمه فلابدّ من الصبر الكثير والمحاولات العديدة المُتجددة حسب كل مرحلة ولابدّ من مُواكبة ما يُريده وما يصبو إليه الآخرون منه وكما يقول إنريكي جارديل بونشيلا: "إذا تمكنت من قراءة مادة مكتوبة من دون جهد، فهذا يعني أنَّه بُذل جهد كبير عند كتابة هذه المادة".

نتلقى الكثير من الأسئلة يوميًا تقريبًا، كيف أكتب؟ متى أستطيع أن أكون كاتبًا؟ ماذا تستفيدون من كتاباتكم؟ لمَن تكتبون وأنتم تعلمون أنَّ القرّاء قلائل جدًا بل ونادرون؟

نحاول الإجابة على عمق هدف السؤال وعلى مدى سطحيته أحيانًا، وربما نحن نعاني من إيجاد الإجابة الدقيقة أو الأقرب للواقع من دون تعنّت أكثر بكثير من سهولة السؤال على من يسأل، وأكاد أجزم أنَّ هناك الكثير من الناس الذين يودون البدء في الكتابة لكن يُريدون من ينتشلهم من غرقهم في مُحيط اللغة وصياغة الصور والتعابير ويجمع لهم ما تشتت من أفكارهم فهؤلاء سيتذكرون من كان معهم في البداية ولو بمعلومة وذلك أكيد وإن لم يُعلنوه فبينهم وبين أنفسهم سيفعلون،  وبالمُختصر كما أقول دائمًا: "وغدًا لن تذكر سوى أيادٍ امتدت لانتشالك".

لذلك نحن ملزمون بمد أيادينا للأجيال القادمة كي يبقى الكتاب ويبقى التاريخ وتستمر الحضارات.