"الأبراج الاستطلاعية" شاهد عيان على عبقرية البناء والدفاع عن الأرض

بلاد الشهوم.. عراقة وتاريخ ومنجزات تنموية مع تطلعات لمزيد من المشاريع الخدمية

...
...
...

الرؤية - ناصر العبري

تشتهر محافظات وولايات وبلدات السلطنة بمعالم تاريخية عريقة شاهدة على عراقتها وعمقها التراثي بعيد المدى؛ ومن بينها: "بلاد الشهوم" في ولاية عبري بمحافظة الظاهرة، والتي تحتلُّ موقعها إستراتيجيًّا بين 3 محافظات؛ هي: الداخلية والظاهرة وجنوب الباطنة، فتبدو وكأنها حلقة وصل محورية بين محافظات السلطنة الثلاث.

وتزخر بلاد الشهوم بمعالم تاريخية شاهدة على عراقة إنسانها ومكانتها التاريخية عبر العصور القديمة، فقد عُرف عن أهلها كرم أهلها وشجاعتهم وصدقهم وإخلاصهم وأمانتهم وتضحيتهم ونصرتهم وتعاونهم وإلفتهم وإحسانهم وطيبتهم وعدلهم وحيائهم، لتعكس رصيد قيمهم الأخلاقية الرفيعة. ونعمت بلاد الشهوم منذ فجر النهضة المباركة على يد السلطان المؤسِّس قابوس بن سعيد بن تيمور -طيَّب الله ثراه- بمنجزات نهضوية مباركة، في قطاعات الصحة والتعليم والخدمات الأساسية... وغيرها؛ ما عزَّز المستوى المعيشي للمواطن.

الشيخ ذياب بن مسعود الشهومي.jpg
 

ويقول الشيخ ذياب بن مسعود الشهومي: إنَّ بلاد الشهوم حظيت خلال العهد الميمون لأعز الرجال وأنقاهم بالكثير من المشاريع التنموية التي غيَّرت ملامح وجهها الشاحب؛ فدفع فيها بعجلة التعليم بدءاً من الكتاتيب وحلقات تعليم القرآن الكريم، ثم إنشاء الخيام التعليمية، ثم تأسيس أول مدرسة حكومية فيها عام 1986 حملت اسم الصحابي الجليل زيد بن الخطاب -رضي الله عنه- تلاها إنشاء مدرسة أخرى للبنات عام 2008 حملت اسم بلاد الشهوم. وأضاف أنَّ مُنجزات النهضة المباركة توالت بعد ذلك؛ منها: إدخال شبكات الكهرباء والاتصال والماء، وإنشاء مركز بلاد الشهوم الصحي ورصف طريق (بلاد الشهوم-مقنيات)، والطرق الداخلية لبعض قراها. وتابع أنَّه يجري العمل حالياً على إنجاز مشروع طريق "بلاد الشهوم-الهجر" لمسافة تقدر بحوالي 2 كيلومتر، وهو طريق حيوي مهم؛ يختصر المسافة بين قرى وادي العين، والهجر وبلاد الشهوم ويربط البلدة بمحافظة الداخلية ويفتح آفاقا سياحية بمروره عبر السلاسل الجبلية والأودية التي تنتشر على ضفافها أشجار النخيل والسدر والأشجار وارفة الظلال.

الشيخ الذيب بن سعود الشهومي.jpg
 

فيما استهلَّ الشيخ الذيب بن سعود الشهومي حديثه بتأكيد العهد والولاء لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- بكلِّ عزم وحزم وثبات للمضي بعُمان نحو مصاف الدول المتقدمة، مُتطلعين في عهد جلالته -أعزَّه الله- إلى تحسين جودة شبكات الاتصال وخدمات الإنترنت في كافة قرى بلاد الشهوم، ورصف وإنارة طريق (بلاد الشهوم-الرستاق) عبر طريق صداق؛ والذي يربط بلاد الشهوم بولاية الرستاق في محافظة جنوب الباطنة، وسيعمل على فتح حركة التنقل بين سكان محافظات الداخلية والظاهرة وجنوب الباطنة. وناشد الشهومي كذلك الجهات المعنية إنارة طريق (بلاد الشهوم-الهجر)؛ كونه طريقا رئيسيا، معربا عن تطلعه من الحكومة الرشيدة ضرورة الإسراع في إنقاذ المعالم التاريخية في بلاد الشهوم من حصون عريقة وأبراج استطلاعية، من خلال ترميمها وإنارتها، مؤكدا أنها إرث لا يتجزأ من إرث عُمان الضارب في عمق التاريخ. وثمن الشهومي دور الحكومة في إنجاح خططها التنموية الشاملة وبناء حياة أفضل للمواطن العماني.

سعيد بن راشد الشهومي.jpg
 

أما سعيد بن راشد الشهومي، فيستذكر حجم الإنجازات العظيمة للسلطان الراحل قابوس بن سعيد بن تيمور -رحمه الله- ومآثره الخالدة على مدى 50 عامًا، أرسى خلالها نهضة شاملة عمت عُمان قاطبة، مؤكدًا المضي قدما خلف جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه. وأعرب الشهومي عن تطلع أهالي بلاد الشهوم لاستكمال بعض المشاريع الحيوية كرصف الطرق الداخلية بالبلدة وإنارتها، وبناء الجسور اللازمة في ممرات الأودية في الطريق الداخلية والطريق الرئيسي الذي يربط بلاد الشهوم ببلدة مقنيات وإنارتها درءاً لمخاطر الأودية وسلامة المواطنين.

الأبراج الاستطلاعية

وتبرُز على قِمَم بلاد الشهوم معالم تاريخية شيَّدتها السواعد الذهبية للأجداد والآباء؛ مستخدمة في بنائها الصاروج والطين والحجر، واتسمت هذه الأبراج بقوتها وصلابتها وتماسكها وهندستها المعمارية الأصيلة، وهذه الأبراج تشمل: القرين، والقسم، والغول، والنجيدة، والعقير، والبدعة، والرميلة، وشُيدت لتكون سدا منيعا في وجه الغزاة ومراقبة الداخل إليها والخارج منها، حماية لهم ولأطفالهم من أية تهديدات قد تعكر صفو حياتهم ومعيشتهم. وكانت الوسيلة الوحيدة للتواصل بين هذه الأبراج من خلال الطلقات النارية في الهواء، وهو أسلوب تعارف عليه الأجداد والآباء -آنذاك- كشفرات سرية لتناقل الأخبار والمستجدات فيما بينهم.

بلاد الشهوم (5).jpg
 

ومن يسبر التاريخ في بلاد الشهوم يجد أنها تستحق فعلاً أن تكون محط أنظار الباحثين في الشأن التاريخي العماني؛ فهي تتفرد بوجود حصنين عريقين يعود بناؤهما إلى القرن السابع عشر خلال فترة حكم النباهنة لعمان، الأول يسمى حصن ريمي، ويطل على واحات النخيل ويقع فوق هضبة تشرف على وادي ريمي من جهة الداخل، ويتميز ببرجيه الاثنين الرئيسيين، وهما الريح والغربي، ويتكون كل برج من ثلاثة أدوار (طوابق) رئيسية اندثرت بفعل عوامل الرياح والأمطار وعدم ترميمها، ويوجد في طل طابق عدد من الغرف والمجالس الخاصة بالرجال منها والنساء، إضافة إلى بئر ماء للشرب وحوض للسباحة والغسيل. وعرف الحصن آنذاك بسجنه الذي بناه الأجداد ضمن حرمه يودع فيه من يخل بالشرف والأمانة، وهو ما يؤكد حقيقة عدل الشهوم ومساواتهم بين الناس لضمان حقوقهم.

أما الحصن الثاني، فهو حصن بلاد الشهوم أو كما يعرف حالياً بالصباح أو الحجرة؛ حيث يقع وسط البلدة كحصن دفاعي يحتمي به الأهالي وعائلاتهم من أي خطر يهدد حياتهم، كما استخدم كمقر رئيسي لإدارة شؤون الناس في تلك الفترة وساحة لإحقاق الحق ومحاسبة المذنب. ويوجد بالحصن غرف تحصينية ومجالس للرجال والنساء ومناضد ومخازن لتخزين التمور والقمح وغرفة كبيرة لطهي الطعام عرفت باسم "المهرسة"، ويضم بئر ماء للشرب والاستحمام والغسيل. ويسرد الآباء ممن عاصروا نهايات تلك الفترة أن أسفل الحصن كانت توجد مجموعة من النخيل كانت تسقى بماء البئر نفسه. ويتميز الحصن ببابه الكبير المعروف بباب الصباح، وهو المدخل الرئيسي للحصن، كما يوجد به باب آخر يسمى "باب المال" ويقع مقابل واحات النخيل المحاذية لوادي الرحبة، وقيل على لسان الكثيرين من كبار السن بالبلدة أن نساءهم وأطفالهم كانوا يستخدمون هذا الباب في الدخول والخروج، مما يؤكد رسوخ العادات والتقاليد لدى الأهالي والتي تقضي بعدم السماح لنسائهم بمخالطة الرجال. ويتميز الحصن بأبراجه الثلاثة الشامخة؛ وهي: الصباح، والمال، ومصلى العيد، إضافة لمنصات استطلاعية في زوايا مختلفة من سور الحصن لتعزيز الحماية الأمنية ومراقبة الداخل والخارج إليه. ورغم مقاومته للزمن وبقاء بعض آثاره، إلا أن الآخر منها قد تهالك مع مرور السنين وطمستها عوامل التعرية من رياح وأمطار، وأسهم التوسع العمراني في هدم أجزاء كبيرة منه.

الصناعات الحرفية التقليدية

وامتهَن الأهالي في بلاد الشهوم -ومنذ قديم الزمان- العديد من الصناعات التقليدية اليدوية؛ مثل: صناعة الفخاريات بمختلف أنواعها وأحجامها وأشكالها، مستخدمين في ذلك الصاروج والطين والصلصال، وعرف عنهم حبهم وشغفهم بصناعة السعفيات والتي تعكس ارتباطهم بالنخلة، فمن خوصها يصنعون القفران والملهبة اليدوية والخصف والشت والمخرف وسمة الخباط التي تستخدم لوضع الطعام عليها وجني ثمار النخيل، ومن زورها يصنعون الدعون، ومن جذوعها يبنون العرشان والمظلات ومناضيد التمور... وغيرها.

وبرع أهالي بلاد الشهوم في شق الكثير من القنوات المائية "الأفلاج" في تضاريس جبلية وسهلية صعبة وفق هندسة ري متميزة ساعدتهم على إيصال المياه إلى مزروعاتهم، كما نجحوا في حفر الكثير من الآبار  "الطويان" بسواعدهم، مستخدمين الحيوان وسيلةً لاستخراج مياهها عبر آلة المنجور الخشبية. واستطاعوا أيضاً شق قنوات مائية أخرى مستخدمين في شقها أدواتهم اليدوية كالكزمة والهيب والمطرقة والمسمار، والتي عرفت محلياً باسم "السمام أو سمام الفلج"؛ وذلك لتحويل مسارات المياه عبرها إلى المناطق التي عادة ما تكون نائية عن مسارات الأفلاج الرئيسية، ويوجد منها في بلاد الشهوم أكثر من 7 أسمة متوزعة على مناطق مختلفة، وتمكنوا من وضع نظام ري آخر مدفون يصل بين ضفتي الوادي وهو ما يعرف باسم "غراق وفلاح" وذلك لإيصال المياه عبرها إلى مزروعاتهم، ولا يزال البعض منها شاهدا على ذلك.

بلاد الشهوم (1).jpg
 

لذا؛ تتميَّز الأرض في بلاد الشهوم بخصوبتها وثروة محاصيلها الزراعية على مدار العام، كالتمور والخضراوات والفواكه بشتى أنواعها... وغيرها من الفواكه الموسمية.

الفنون الشعبية

وما زال الأهالي في بلاد الشهوم يحتفظون ويمارسون مختلف الفنون الشعبية العمانية، وقد توارثوها عن أجدادهم وآبائهم كفن العازي والميدان والرزحة والتغرود والشيلة الجماعية الحماسية.

وحبا الله سبحانه وتعالى بلاد الشهوم بالعديد من المقومات السياحية الفريدة جعلت منها قبلة ومقصداً للسياح من داخل الولاية وخارجها، تنوعت هذه المقومات بين العيون المائية العذبة كالقطار والسخنة والغيول المائية الرقراقة المنسابة على طول أوديتها البكر والسدود المائية كسد بلاد الشهوم وسد الخور، ناهيك عمَّا تشكله واحات النخيل والأشجار وارفة الظلال على طول ضفاف أوديتها من صورة جمالية أبدع الخالق في تكوينها، إضافة إلى روعة تضاريسها وسلاسلها الجبلية ذات الألوان المتباينة واعتدال درجات الحرارة فيها، واخضرار مدرجاتها الزراعية ونسيم هوائها العليل وشموخ معالمها التاريخية على قمم جبالها وحصونها العريقة.

بلاد الشهوم (5).jpg
بلاد الشهوم (2).png
بلاد الشهوم (4).jpg
 

تعليق عبر الفيس بوك