عوامل نجاح "التعليم المُدمج"

حاتم الطائي

الأنظمة الإلكترونية تساعد على استمرارية التعليم في ظل "كورونا"

إعلان جلالة السلطان 2020 "عام التعليم المُدمج" دليل على الرعاية السامية لقضية التعليم

ثلاثية "المُعلم وولي الأمر والمجتمع" لا غنى عنها لإنجاح المنظومة

مُنذ أنْ بدأتْ جائحة كورونا في تغيير ملامح العالم الذي نعيشه؛ وذلك قبل 7 أشهر أو يزيد، تَفاجأنا جميعًا بتبعات هذه الأزمة التي لم يعهدها العالم منذ عقود، وأصبحتْ الحياة معها مختلفةً عمَّا اعتدنا عليه؛ فقد أُعلنت إغلاقات عامة في كل أنحاء العالم، ومُنعت الحركة، وتوقفت حركة الطيران، وجلس الطلاب في منازلهم، وواصل العاملون أعمالهم من البيت، وبدأ العالم يمارس نوعًا جديدًا من الحياة.. حياة ما بعد كورونا!

ومع استمرار الأزمة واستفحالها، تأثَّرت وتضرَّرت القطاعات بشتى أنواعها، وتكبَّد الجميع خسائر فادحة، لكنَّ قطاع التعليم كان الأكثر تضرُّرا؛ فعدم استعداد الغالبية العظمى من المدارس حول العالم للتعامل مع بقاء الطلاب في منازلهم دون تلقِّي دروسهم، مثل تحدِّيا هائلا؛ فلجأ البعضُ سريعا إلى الأنظمة الإلكترونية المتاحة من أجل التواصل مع الطلاب وتقديم الشروح اللازمة، فيما طور آخرون -وهم قلة- برمجيات وتطبيقات خاصَّة بهم، ونجحوا في إحراز تقدُّم ملحوظ. لكن ظلت المشكلة قائمة؛ ألا وهي: كيف ستتواصل عملية التعليم والتعلم هكذا في ظل استمرار تفشي الوباء وعدم التوصل للقاح ناجع أو علاج شافٍ؟

هُنا في السلطنة، الأمر لم يختلف كثيرا؛ حيث شاب الوضع ارتباكًا في بداية الجائحة، ما لبث أن تطوَّر إلى جهود تنظيمية مختلفة، لكنها لم تكن أيضا بالقدر الكافي الذي يعوض الطلاب عن التعليم المباشر، وفي خضم ذلك نشأت أزمة داخلية في المدارس، لا سيما المدارس الخاصة والدولية، تتعلق بدفع الرسوم المتبقية، لكن ذلك لم يؤثر بصورة كبيرة على سير العملية التعليمية إلكترونيًّا. الحق أنَّ عددًا من المدارس والمعلمين سعوا حثيثا من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، فبدأوا تقديم دروسهم عبر تقنيات الاتصال المرئي، فيما أطلق بعض المدارس الخاصة والدولية تطبيقات رقمية تُساعد الطلاب على الاستذكار، وتنفيذ مختلف الأنشطة والواجبات المنزلية. بينما دشنت وزارة التربية والتعليم جهودًا واسعة؛ من أجل ضَمَان تقديم الدروس للطلاب دون حتى تحمُّلهم تكلفة استخدام الإنترنت، فعقدت شراكات ناجحة من تليفزيون سلطنة عُمان؛ من خلال "درس على الهواء" وغيره من البرامج، علاوة على تصوير المئات من الدروس الرقمية التي بثتها الوزارة عبر الإنترنت، خاصة عبر موقع "يوتيوب" الشهير.

لكنَّ المحصلة العامة أنَّ الجهد في العام الدراسي المنصرم عكس حالة عدم اليقين التي عمت العالم بأسره؛ فلا يمكن أن نقول إنَّ قطاع التعليم كان في منأى عن تلك الحالة، بل إنَّه تأثر بها أشد التأثر؛ فاتخاذ أي قرار بشأن فلذات الأكباد سيكون له تكلفة مجتمعية ونفسية عميقة الأثر. لذلك؛ بدا واضحا أنَّ وزارة التربية والتعليم وكل قياداتها الشابة الطموحة، عكفت على وضع خطة محكمة لبدء العام الدراسي الجديد والمقرر في أول نوفمبر المقبل، وأطلقت على هذه الخطة اسم "التعليم المُدمج"، والذي يشير بوضوح إلى تبني الوزارة خلال هذا العام الدراسي الاستثنائي لنظام ثنائي مُدمج، يرتكز على التعليم المباشر داخل الفصول الدراسية بالمدارس، وكذلك التعليم الإلكتروني عن بُعد عبر وسائل التقنية الحديثة والاتصال المرئي والبرامج المصورة المسجلة... وغيرها من الوسائل التعليمية المعتمدة على الوسائط المتعددة.

ولقد أكَّد حَضْرة صَاحِب الجَلالَة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- على أهمية هذا النوع من التعليم خلال اجتماع مجلس الوزراء الأخير، عندما أعلن جلالته -أيَّده الله- أن العام 2020 هو عام التعليم المُدمج؛ في خطوة تعكس مدى الحرص السامي على إيلاء التعليم العناية الكبيرة؛ باعتبار التعليم إحدى أولويات العمل الوطني، وركيزة أساسية من ركائز مسيرة النهضة. ومما يُثلج الصدر أن جلالته -أبقَاه الله- دائم الحديث عن أهمية التعليم والعلم، وكذلك دور الابتكار في تطور وتقدم مسيرة التعليم في وطننا الحبيب، وإذا ما أمعنَّا النظر في مفهوم التعليم المُدمج، نجد أنه تجسيدٌ حقيقيٌّ لاتحاد التعليم مع الابتكار، وهذا في حد ذاته يعكس بُعد الرؤية السامية لقضية الابتكار، ومدى استشراف جلالته لأهميته في خدمة التعليم والتنمية عامة.

إذن، نحنُ الآن أمام نظام تعليمي مُدمج، بالتوازي مع إطار عام أعلنت عنه الوزارة لتشغيل المدارس في ظل جائحة كورونا، وهو الإطار الذي يَضْمَن بأعلى قدر ممكن سلامة أبنائنا الطلاب والطالبات وأعضاء الهيئتين التدريسية والإدارية، والذي صاغته الوزارة بعناية تامة استندت إلى الاستفادة من التجارب الإقليمية والدولية في هذا الصدد، هذا إلى جانب إعداد بروتوكول صحي يفرض شتى الإجراءات الاحترازية الكفيلة بتفادي نقل العدوى بفيروس كورونا، أو انتشارها في البيئة المدرسية.

ويَعنِيني في هذا السياق أنْ أُشِير إلى أنَّ دور الوزارة وما وضعته من إطار تشغيلي وبروتوكول صحي، لن يكون كافيا دون دور محوري للأسرة والمجتمع بل ووسائل الإعلام أيضا.. ويمكن القول إنَّ منظومة ثلاثية تتألف من المدرسة (الوزارة) والأسرة (المجتمع) ووسائل الإعلام، قادرة على إنجاح نظام التعليم المُدمج؛ من خلال التعاون الوثيق بين الأطراف الثلاثة. وهذا التعاون يُمكن تقسيمه إلى شقين؛ الأول: تعاون المدرسة والأسرة؛ من خلال العمل على بناء علاقة تكاملية بين المُعلم وولي الأمر، خاصة الأم؛ لما تملكه من صفات وقدرات تجعلها مؤهَّلة بصورة أكبر لمساعدة المُعلم في أداء رسالته وواجبه مع كل طالب. وهذا يتطلَّب من وزارة التربية والتعليم أن تُطلق تطبيقا خاصًّا يربط الطرفين؛ فلا يمكن الاعتماد على الوسائل التقليدية المتاحة؛ مثل: "الواتساب"، أو مجموعات الدردشة الخاصة بالأمهات، والمنتشرة في كل مدرسة تقريبا. وتلك العلاقة التكاملية ستحقِّق النجاح المأمول، ونضمَن بذلك استعياب الطالب للمحتوى التعليمي من خلال الثنائي "المعلم وولي الأمر"، فضلًا عن المُتابعة الحثيثة، وأدعو هنا أن تكون تلك العلاقة التكاملية إلزامية، بمعنى أنَّ ولي الأمر يجب أن يكون على دراية كاملة بأن أي تقصير في أداء واجباته تجاه ابنه/ابنته سيعود بالضرر عليه/عليها. لذلك؛ نقترح أن تقر الجهات المعنية، وأخص بالذكر وزارة العمل، ضوابط جديدة تتيح المرونة التامة للأمهات العاملات، سواء في الحكومة أو القطاع الخاص، وأن يكون لدى الأم إمكانية العمل من المنزل طوال العام، وتقليل ساعات دوام الأم بما يتيح لها قضاء أطول فترة ممكنة مع أبنائها لاستذكار الدروس ومراجعتها.

الشق الثاني من التعاون: يتمثَّل في بناء شراكات بين القطاعين العام والخاص؛ من خلال قيام وزارة التربية والتعليم بعقد شراكات مع القطاع الخاص، لا سيما فيما يتعلق بالعمل التوعوي بالإجراءات الاحترازية، وكذلك تصميم التطبيقات والبرمجيات الخاصة بالتعليم المُدمج، إضافة إلى إنتاج المحتوى التعليمي الرقمي؛ حيث يُمكن الاستفادة من الإمكانيات المتوافرة لدى صناع المحتوى بالقطاع الخاص أصحاب الخبرات الطويلة في هذا المجال.

وختامًا.. إنَّ دعم نجاح منظومة التعليم المُدمج ضمان لتفوُّق طلابنا، وليس نجاحًا يُنسب إلى جهة واحدة أو مسؤول، بل الجميع يجب أن يتشارك في إنجاحها، فالمُعلم وولي الأمر والطالب ومؤسسات الدولة والقطاع الخاص كُلهم شركاء النجاح، وتخريج كوكبة من الطلاب المتفوقين دراسيًّا، المُدركين لتحديات العصر الذي نعيشه، مُتمسِّكين بمشاعل النور والعلم، هم مُستقبلنا وقادة الغد، وثروة عُمان التي لا تنضب.. فلنُعَاهد أنفسنا على القيام بمسؤوليتنا على أكمل وجه، وأن نكون عونًا وداعمًا لمسيرة النهضة المتجددة؛ لكي يتحقق لعُمان ما تصبو إليه من تقدُّم ورخاء.