فتح الطيران.. عودة للحياة

مدرين المكتومية

فرحة عارمة غمرتني بعد إعلان اللجنة العُليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا، فتح حركة الطيران أمام الرحلات الدولية اعتباراً من أول أكتوبر المُقبل، تلك البشرى التي انتظرها الكثيرون من داخل عُمان وخارجها، الآلاف كانوا يترقبون تلك اللحظة التي تُفتح فيها الأجواء الجوية، بعد ما يزيد عن 6 أشهر من الغلق والشعور بكآبة الحياة.

فعلى المستوى الشخصي، يُمثل المطار لي تجربة فريدة تتكرر كلما سافرت وغادرت إلى أيِّ وجهة كانت، فكل بوابة من بوابات المطار تفضي إلى وجهة غير الأخرى، ومقصد مختلف عن أي مقصد آخر، وعندما أسافر سواء لطلب العلم أو العمل الصحفي أو حتى السياحة، أشعر أنني أولد من جديد، تتجدد في نفسي طاقات الإبداع والعمل، وحب الحياة، تلك الطاقات التي أطفأها فيروس كورونا المتوحش، الذي لم يرحم أي شخص في العالم، فحرم الناس من متعة الحياة، وحال بينهم وبين أعز أحبابهم، وفرق الشمل، ووضع حدودا فوق الحدود، فانغلقت المدن على ذاتها، وأقفل كل فرد بابه أمام الضيوف، ضيوف البيت أو ضيوف القلب!

ثمَّة كثير من المشاعر المختلطة لا أجدها إلا في المطار، فكلما ذهبت تعمدت أن ألقي نظرات عدة على من حولي من المسافرين، فأرى كل فئات المجتمع، فهناك العائد إلى وطنه دون تذكرة عودة، وهناك المُسافر على أمل العودة لكن القدر هو من يتحكم في عودته، وهناك المريض الذي لا يمكنه سوى أن يلهج لسانه بالدعاء، وهناك الطالب الذي يحارب الخوف من بدء رحلة جديدة لطلب العلم وحيدا بعيدا عن أسرته التي نشأ فيها.

الكثير والكثير من المشاعر التي يمكن أن نراها في أعين المسافرين، بينما يجلس المرء فينا يُمعن النظر فيمن حوله. فكل من في المطار يحدثون أنفسهم ويحللون شخصيات المحيطين بهم، فهذه فتاة جميلة بصحبة أبيها، وهذان زوجان مغادران لقضاء أوقات سعيدة في بلد آخر، وتلك الأم العجوز تبدو تائهة في أروقة المطار الشاسعة..

لكن المطار يعلمنا دائماً معانٍ أخرى مُبطنة، فعندما نفكر ملياً في مسألة السفر، نجد أننا مسافرون دائماً في هذه الحياة، لا أحد مُقيم فيها، وإن ظن ذلك، فكلنا مسافرون، نسافر بين الأوقات من البيت للعمل، من العمل إلى المطعم، إلى الشاطئ، إلى المقهى لاحتساء كوب من القهوة يشفي أرواحنا المجهدة. عقولنا تسافر دائما، تسافر أثناء نومنا في أحلام لا حدود لها، ومع شخوص لا وجود لهم، وفي ظروف لم تحدث حتى! قلوبنا أيضاً تسافر، حين تحن إلى حبيب، فتسافر بخفقات متسارعة، تقفز القلوب من صدورنا عند لقاء الحبيب، وكذلك عند فراقه! نرتعد خوفاً عندما تسافر قلوبنا بعيدًا، عندما تفقد الإحساس بالآخر، عندما يستحوذ علينا القلق والتوتر، تقودنا في سفرها هذا لمزيد من مشاعر الوحدة.

ولذا أقول إنَّ عودة المطار هي عودة للحياة، فكورونا لم يسمح لنا بالحياة الطبيعية، لكننا انتصرنا- ولو جزئيا- عليه في معركته الشرسة ضد الإنسانية، وسنُعلن النصر التام عندما يغيب بلا رجعة عن عالمنا.

بالتأكيد الحياة لن تعود كما كانت قبل كورونا، لكنها حتماً عادت ولو في ظل الإجراءات الاحترازية، سيعود الجميع إلى عمله، فالملايين خسروا وظائفهم حول العالم، وآخرون فقدوا جزءا كبيرا من رواتبهم، وثمَّة فئة ثالثة تأمل الحصول على وظيفة بعد التخرج، وعودة الحياة تزيد من فرص حصولهم على العمل.

صحيح أن الجائحة أفقدتنا الكثير من الأشياء، ووضعتنا أمام مفترق طرق، لكنها أيضًا سمحت لنا بالشعور بما ننعم به من نعم وعطايا، فقد أدركنا أخيرا الكثير من الإيجابيات التي لم نكن منتبهين إليها؛ فهناك الكثير مما نمتلكه، يرغب آخرون في الحصول عليه، ولو جزء منه.

ومع عودة الحياة إلى طبيعتها الجديدة، علينا أن نظل دائماً متيقظين لكل ما يحيط بنا من مخاطر في ظل هذا الفيروس، فهو ما يزال بيننا، يسعى للنيل من أي فرد ليفترسه، ومع فتح المطارات علينا أن نتوخى المزيد من الحذر، بالالتزام التام بالإجراءات الصحية والاحترازات الوقائية، فمؤكد أن لا أحد يريد العودة للماضي!