مكتب حفظ البيئة يواصل المسوحات العلمية الحقلية

اكتشاف نوع جديد من الخفافيش في ظفار.. و106 أنواع تدعم صحة الموائل الطبيعية بالسلطنة

...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...

 

مسقط - الرؤية

يُوَاصل مكتبُ حفظ البيئة بديوان البلاط السلطاني سنويًّا، ومُنذ تفعيل خطواته الأولى في سبتمبر 2017، تنفيذ دراسة علمية بيئية متخصصة حول الكائنات الحية الدقيقة؛ مثل: الخفافيش والقوارض؛ وذلك في عِدَّة مواقع مختلفة في محافظات السلطنة.

وينطلقُ هذا الاهتمام بأبحاث الخفافيش في ظلِّ شح البيانات والمعلومات المتوفرة عنها في منطقة غرب آسيا عامة والسلطنة خاصة، ونتيجة لزيادة الأنشطة البشرية وتوسع الاستيطان، إضافة لوجود 143 نوعًا من الثدييات التي تحتضن الفيروسات التي من المُمكن أن تنقل الأمراض الحيوانية. والخفاش أحد هذه الأنواع التي قد تنقل الفيروسات إلى الإنسان. ونتج عن هذه الدراسات خلال الأعوام الثلاثة الماضية تسجيل نوع جديد منها في ظفار ليصل عددها الكلي المسجل حاليا في السلطنة حتى الآن 26 نوعا. إلى جانب تسجيل مواقع جديدة مهمة لعمليات الاستكشاف للأنواع الأخرى التي تصل لقرابة 1400 نوع حول العالم بحسب إفادة المختصين بالمكتب.

وحول أهمية إجراء هذه الدراسة، قال زهران بن أحمد آل عبدالسلام مساعد مدير دائرة الشؤون البيئية بمكتب حفظ البيئة والمشرف على الفريق البحثي في دراسة الخفافيش: إنَّ إجراء مثل هذه البحوث والتعاون مع المنظمات العالمية المختصة في هذا المجال ونشر الأوراق العلمية عنها، يُعزز من المعرفة والفهم حول هذه الأنواع؛ وبالتالي تساعد بالمحافظة على هذه الكائنات في بيئتها وفهم أفضل أماكن انتشارها وتحديد الأصناف، وما يحمله كل صنف منها من فيروسات قد تؤثر على الصحة العامة للناس، ومن جانب آخر بحث فوائدها البيئية، كما أعتقد أنه من المهم دراسة المزيد من المعلومات عنها.

وأَوْضَح زهران آل عبدالسلام عددا من الحقائق والمعلومات التي تتميز بها الخفافيش، قائلا: إنَّ الخفافيش من الحيوانات الثدية التي لم تحظَ بالقدر الكافي من البحوث والدراسات في السلطنة؛ حيث سجلت لها أكثر من 1400 نوع منها على مستوى العالم، فيما سجلت له في السلطنة إلى الآن حوالي 26 نوعا. وأضاف أنَّ للخفافيش فوائد عدة؛ أبرزها: أن العديد من النباتات والمحاصيل البرية والزراعية تعتمد عليها في تلقيح أزهارها، والبعض الآخر منها لنشر بذورها، كما تتغذَّى أيضا على الحشرات ومنها تلك الضارة بالمحاصيل، وتعد مؤشراً جيداً لصحة الموائل الطبيعية.

وتابع أنَّ للخفافيش خصائص متنوعة؛ من ضمنها أنَّ مُعظم الخفافيش تمتلك حاستيْ سمع وبصر ضعيفتين، وتستخدم الصدى لتحديد المواقع والأجسام المختلفة، على غرار الحساس (السونار)؛ وذلك للطيران والبحث عن الحشرات في الظلام، أثناء طيرانها؛ حيث يمكنها معرفة مدى المسافة بينها وبين شيء ما حين يعود الصدى إليها. وأوضح أن أنواعا من الخفافيش تمتلك ترددات مختلفة عن بعضها، وتم استخدام جهاز كاشف خاص بذلك للكشف عن أنواع الترددات والنداءات.

ويزخَر مكتب حفظ البيئة بالعديد من الخبرات والكفاءات الوطنية للقيام بالدراسات العلمية لمكونات البيئة العمانية من حياة فطرية وكائنات حية؛ حيث يأتي موضوع مسوحات الخفافيش بالسلطنة ضمن المهام التي كلف بها؛ لدراستها بصورة علمية بالتعاون مع الجهات الحكومية المختصة؛ مثل: وزارة الصحة ووزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه والجامعات وإدارة الموارد النباتية والحيوانية، ومؤسسات أبحاث علمية دولية وبما يحفظ حقوق السلطنة فيها.

وأكد زهران آل عبدالسلام أنَّ أحدث الدراسات البيئية عن الخفافيش في السلطنة بدأت في سبتمبر 2017 في عدة مواقع مختلفة من محافظة ظفار؛ وذلك بعدما نفذ مكتب حفظ البيئة بديوان البلاط السلطاني خطواته الأولى بتشكيل أول فريق متخصص من الباحثين العمانيين في مجال أبحاث الخفافيش بالتعاون مع معهد هاريسون بالمملكة المتحدة. وأضاف أنه في عام 1977 انطلق أول مسح ميداني للكائنات الدقيقة في ظفار نفذها مكتب حفظ البيئة بمسماه السابق؛ حيث تم تأكيد تسجيل عدة أنواع من الخفافيش.

وحول آلية تنفيذ الدراسة الحديثة ومراحلها في ظفار، قال زهران آل عبدالسلام إنه تم القيام بتعريف وقياس وتصوير جميع الخفافيش التي تم الإمساك بها، وفي معظم الحالات تم أخذ عينات من الأنسجة (لتحليل الحمض النووي) قبل إعادة إطلاقها مرة أخرى إلى البرية. وأضاف أنه تم نصب الشباك والفخاخ المخفية للامساك بتلك الخفافيش، مشيرا إلى أن أبرز النتائج التي توصلت إليها المسوحات في ظفار تمثلت في اكتشاف نوع جديد من الخفافيش في المحافظة، وتسجيل مواقع جديدة مهمة للأنواع الأخرى، وتم نشر نتائج المسوحات الميدانية في الصحف المحلية وذلك بهدف زيادة وعي المجتمع ببعض أنواع الثدييات الصغيرة مثل الخفافيش. وبيَّن أنه ونتيجة للدراسة، فقد اجتذب هذا المسح بعض الجهات الدولية؛ مثل: إيكوهيلث ألاينس (Eco Health Alliance)، التي انضمت إليها السلطنة لاحقاً كشريك على مستوى السلطنة ممثلاً بمكتب حظ البيئة، للقيام بدراسة ميدانية ومختبرية جينية.

ومن الأمثلة على أنواع الخفافيش المسجلة في السلطنة: خفاش الفاكهة المصري (Rousettus aegyptiacus)، وهو الخفاش الأكثر شيوعًا، ويعد من أكبر الخفافيش في السلطنة؛ حيث تخرج هذه الخفافيش من مواقعها مثل الكهوف والمباني القديمة بعد غروب الشمس مباشرة باستخدام حاسة شم حادة للغاية للبحث عن الفاكهة، وقد تكون فواكه برية مثل التين أو ثمار أخرى بما في ذلك المانجو والفيفاي وجوز الهند... وغيرها.

والخفافيش في ظفار تنتمي إلى عائلات مختلفة، وكل عائلة لها مظهر مميز، فعلى سبيل المثال: يُمكن التعرف على عائلة الخفافيش ذات حدوة الحصان من أنوفها الحادة التي تشبه شكل حدوة الحصان، وهناك ما لا يقل عن ثلاثة من خفافيش حدوة الحصان في عمان بما في ذلك حدوة حصان جيفروي (Rhinolophus clivosus) الموجودة في السلطنة.

وثمَّة عائلة مميزة أخرى وهي الخفافيش ذات ذيل الفأر؛ التي لها ذيول طويلة بشكل خاص، وفي ظفار، تضم هذه العائلة الخفافيش المصرية ذات ذيل الفأر (cyctops Rhinopoma).

وتعد أصغر الخفافيش التي شوهدت في ظفار من نوع "البيبيستريل"، والتي تزن حوالي 5 جرامات وهي بحجم الإبهام البشري، وكان من المثير للاهتمام التقاط بيبيستريل (Pipistrellus dhofarensis) التي توجد فقط في ظفار وجبال الحوف في الحدود المجاورة لليمن.

 

المسوحات الشمالية

وقال زهران آل عبدالسلام إن مكتب حفظ البيئة عمل في نوفمبر 2019 على تشكيل فريق بحثي بمشاركة مختصين من المكتب بالتعاون مع بعض الجهات المحلية؛ مثل: وزارة الصحة ذات الاختصاص والمنظمات الدولية مثل إيكوهيلث ألاينس والمتطوعين، مع دعوة كل من هيئة البيئة ووزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه؛ من أجل المشاركة بالدراسة والمسوحات الميدانية في جميع محافظات السلطنة.

وحول أهداف دراسة الخفافيش في المناطق الشمالية من عمان، قال آل عبدالسلام: إنَّ الدراسة البيئية العلمية في شمال عمان امتدادٌ للدراسة عن الخفافيش في محافظة ظفار، مشيرا إلى أنَّ المكتب يسعى من خلالها للحصول على مزيدٍ من المعرفة والفهم عن الخفافيش في البيئة العمانية من حيث الأنواع الموجودة وأماكن انتشارها وطبيعتها البيئية، فضلا عن توثيق خصائص التنوع الجيني بالفيروسات التاجية "Coronaviruses" وغيرها من الكائنات الدقيقة والمرتبطة بالخفافيش في السلطنة، إضافة إلى تعزيز وتطوير قدرات الموظفين العمانيين في البحوث العلمية والميدانية المتعلقة بالخفافيش.

وعن أبرز النتائج الأولية، كشف آل عبدالسلام أنه تمَّ الانتهاء من أولى الأعمال الميدانية للمشروع في 2019؛ حيث تم اختيار 3 مواقع مختلفة من شمال السلطنة؛ شهدت الإمساك والتعامل مع 106 خفافيش، وأخذت عينات مختلفة من كل خفاش أُمسك به، مع تسجيل نوعه وتصويره للتوثيق، علاوة على جمع 360 عينة و15 تسجيلا صوتيا من المواقع المختلفة بالسلطنة.

وأضاف أنه في إطار تبادل الخبرات مع المؤسسات العلمية العالمية المشاركة في بحوث الخفافيش، شارك المكتب في الورشة السنوية للمنظمة الدولية للخفافيش؛ والتي أقيمت بالمملكة الأردنية الهاشمية خلال الفترة من 9 ديسمبر 2019 إلى 11 ديسمبر 2019؛ حيث قدم المشاركون العمانيون من أخصائيي الحياة البرية بالمكتب عرضا تفصيلا عن دراسة الخفافيش التي تجرى بالسلطنة.

يُشار إلى أنَّ مكتب حفظ البيئة بديوان البلاط السلطاني يواصل سلسلة الدراسات الحقلية العلمية البيئية والمختبرية عن الخفافيش؛ ففي العام الجاري 2020 نفذ مسوحات أخرى في محافظة ظفار، وتم جمع عينات من الخفافيش بهدف تحليل الفيروسات التي تحملها. وسيتم إجراء التحاليل العلمية اللازمة في المختبرات المتخصصة لذلك. ويكرس المكتب مهامه واختصاصاته من أجل الوصول إلى أهم الأهداف لهذه الدراسة العلمية المتمثل في دراسة الخفافيش وبيئتها المختلفة والفيروسات التاجية المصاحبة لها ومخاطرها وفوائدها بالتعاون مع الجهات الحكومية المختصة، بجانب اقتراح أفضل السبل للجهات الحكومية في التعامل مع هذه الكائنات وفق أفضل معايير السلامة البيئية العالمية.

تعليق عبر الفيس بوك