الشرق الأوسط أو "الشر.. الأوسط".. ألف مقال ومقال (9)

 

الاستفزاز والاهتزاز والابتزاز!

 

د. مجدي العفيفي

 

(41)

أيُّها الناس "إياهم..." متي تثُورون على أنفسكم، وعلى ما ملكت أهواؤكم؟  لا شيء يشغلكم إلا عواطفكم، بارت بضاعتكم! بعتم محارمكم، سُحبت هويتكم، فالرقص شيمتكم، والدف لعبتكم، والعار صفحتكم!

 

(42)

رُبَّما يبدو أنه ليس من قبيل المصادفة أن تتزامن هذه السلسلة من المقالات مع "حوادث" تتم في المنطقة، أقول "حوادث" كتعبير أقرب إلى الجريمة وليست أحداثا لها دلالتها ذات البصمات القوية في الزمان والمكان والإنسان، و"حادثة الزحف الصهيوني المدنس إلى منطقة الخليج يجعل السياق يستدعي "حمَّالة الحطب الأمريكية" غير المأسوف عليها كوندليدا رايس" صاحبة الأكذوبة الأمريكية "الفوضى الخلاقة"، وقد أثبتت الشواهد الدالة والمشاهد الماثلة أنها لا هي فوضى ولا هي خلاقة.. ومن بعدها الوزيرة هيلاري كلينتون، كل منهما (حمالة الحطب) في هذا العصر ذي الوجه الأمريكي القبيح، منذ أن بدأت لعبة تسويق سلعة الديمقراطية الأمريكية في العالم الإسلامي «إنَّ الولايات المتحدة تُريد أن تعتبر قوة مُحرَّرة، وتكرس نفسها لإحلال الديمقراطية ومسيرة الحرية في العالم الاسلامي».

وفي كلِّ مرة كانت تأتي إلى المنطقة تلك الآنسة الشمطاء، أو المتصابية كلينتون، تلقي حزمة أو حزمتين، من الحطب الأمريكي الجديد، لتشعل النيران في الشرق الأوسط، وفي جيدها ألف حبل من نار، يلتف حول عنقها وعنق سيدها (أبو لهب) في البيت الأبيض، كراهية وبغضاء..!! فالديمقراطية الأمريكية إنما هي (ديمقراطية القبور) على حد تعبير وزير الخارجية الراحل أحمد ماهر في مذكراته، ولقد كتبت أكثر من مرة وقلت لها احملي حطبك، وعودي إلى دارك، اتركونا نتحرك ونحرك، نعبِّـر ونغير، ونفعل ما نشاء وما نريد، لا شأن لكم بنا، ولا نستثني منكم أحدا، ولا نريد منكم أوصياء علينا، فالتعاطي الدولي منكم زئبقي وثعلبي ومراوغ، اعلموا أنَّ أجيالنا العربية تتسلسل، شبابنا وشيوخنا، رجالنا ونساؤنا، آباءنا وأبناءنا وأحفادنا، كلنا جميعا في حالة تواصل فلا تغرنكم الأمور الدنيا ولا يغرنكم بمنطقتنا الغرور، ولا تغويكم سلوكيات بعض ضعاف النفوس من محدثي السياسة ومضمار صناعة الدول..! فهؤلاء "محدثو نعمة بعد طول جوع"، وأبدا لا يمثلون الشخصية العربية في عموميتها وتاريخيتها وحضاريتها وأعماقها البعيدة.

 

(43)

لقد سقطت الفوضى الأمريكية الخلاقة بسقوط دُعاتها، وعلى رأسهم الرئيس المدعو "بوش الابن" الذي نجح نجاحا باهرا في تعميق كراهية العالم لأمريكا لا سيما ( بعد مهرجان 11 سبتمبر الكوميدي) أو (الخديعة الكبرى) على حد تعبير الكاتب الفرنسي الشجاع "تيري ميسان" أقوى كتاب فضح الأكاذيب الأمريكية وحكاية ضرب البرجين إياهما، وأثبت بالأدلة القاطعة أنه لم تصطدم أية طائرة بمبنى البنتاجون!

ولقِصَّة مضاعفة كراهية العالم لأمريكا فصول، وأنا أحد شهودها عندما كنت أعيش في مسقط، وشاهد تحديدا عندما كنت "نائب رئيس تحرير جريدة الشبيبة" على إلحاح السفارات الأمريكية على استقطاب قيادات الإعلام في المنطقة، لكي "يحببوا" الشعوب في أمريكا بعد أحداث سبتمبر 2001!! تصوروا "تحبيب" الناس في دولة كانت تحرق العالم وتدمر دولا في الشرق الاوسط وتذكروا العراق!! ولهذه القصة سياقها الذي سأسرده!

 

(44)

وعود على حادثة التطبيع الكاذب بين الإماراتيين والصهاينة.. مشهد مثير لكل أشكال الاشمئزاز والاستفزاز، تشتم منه رائحة الاهتزاز والابتزاز، تتحرك فيه شخوص ورقية لا وزن لها، ولا ينبغي لنا أيضا أن نُقِيم لهم وزنا، وقد خفت موازينهم السياسية وازدات خفة فباتت أمهم هاوية.. شخوص كرتونية تؤدي أدوارا مهشمَّة ومهمِّشة في آن واحد، والمفارقة أنهم يرون أنفسهم أبطالا لا يعلون لمثلهم سميا..!! يبحثون عن زعامات رخيصة في زمن تعز فيه الزعامة الحقيقية، وللزعامة أصول وفصول وجذور ونمو بدون جذور.

نسيت أن أشير إلى المشهد، ولهذا دلالة، فهو لا يستحق الإشارة ولا النظر من بعيد، لكنها الضرورة، ذلكم المشهد الممقوت: طائر صهيونية تقلع من الكيان الصهيوني المحتل لدولة فلسطين العريقة والمختل وجودا ووجوديا، الطائرة عليها أكثر من رسالة ساذجة: رقم مفتاح الإمارات.. كلمة سلام بلغتهم الكريهة، وكلمة (كريات جاك) مدينة الفالوجا التي وقعت فيها المعركة الشهيرة عام 1984، وتستدعي اسم الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وهي حركة خبيثة وقحة من ذلك الكيان المزعوم.

المثير للسخرية أن الصهيوني "نتن ياهو" تحدث من مكتبه إلى قائد الطائرة وهي "تلوث" الأجواء الخليجية، ويصفها بأنها "رحلة تاريخية"، تماما كما قال المدلل كوشنر الذي يقال إنه مستشار الرئيس الأمريكي حدث تاريخي.

حدث تاريخي؟ هأهأهأ..!

كلُّ لقاء بين اثنين من الذين أجلسوهم على كراسي الحكم والسلطة، هو "لقاء تاريخي"، وكل اجتماع هو "تاريخي"، وكل خطاب هو "تاريخي".. والتاريخ هو أكبر جهاز لتكييف "الهوى"!

 

(45)

من المُفارقات التي تكشف عن ضآلة ذلك "الحادث" ولا أقول "الحدث" ما فعله هذا الـ"الكوشنر".. صوره وهو في الطائرة الصهيونية فرحا فرح الصبيان بأنه ذاهب إلى هذه المهمة، ويطال الرفاق الأمريكان والصهاينة الذين معه بأن يسرعوا بالطائرة.. وهم لا يصدقون أنهم "يمرقون" في الأجواء السعودية!

إذ قال كلاما لا يقوله رجل سياسة يعني ما يقول، فلا خبرة ولا تجربة ولا رؤية، ولا شيء يُؤهله لهذه التمثيلية التطبيعية الفارغة من مضمون حقيقي، إلا أنه "زوج بنت رئيس أمريكا" وكفى...!

وطوال 50 عاما في عالم الصحافة والإعلام لم أرَ فُجْرا سياسيًّا، ولا حتى من ثعلب السياسة الأمريكية الصهيوني القح "هنري كيسنجر" الذي لعب لعبة السلام في كامب ديفيد، (ولها سياق آخر).. تصوروا كوشنر قال ضمن ما قال التالي:

- إن "محمد بن زايد يقود الشرق الأوسط الجديد"!

- هذه الرحلة "التاريخية" ستكون باكورة رحلات أخرى بين الإمارات وإسرائيل - (بالقوة الجبرية)!

- "أعتقد أن الاتفاق الإماراتي ـ الإسرائيلي قادر على تغيير مسار الشرق الأوسط" - (أوهام).

- ولي عهد أبوظبي واحد من القادة الذين يرسمون الشرق الأوسط، كما ينبغي أن يكون، والولايات المتحدة تحترم قيادته - (مأساة)!

- الإمارات هي الشريك الإستراتيجي للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط - (احتيال).

- إن إنجاز معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل يمنح الأمل بالتغيير قريبًا في المنطقة - (يبيعون الوهم).

- إنَّ فرص التعاون أمام الإمارات وإسرائيل غير محدودة - (أرزاق وأرزاء)!

- إنَّ الإمارات تملك واحدا من أكثر جيوش المنطقة تقدما، والولايات المتحدة تتمتع بشراكة عسكرية مميزة معها - (نفاق رخيص)!

 

(46)

كمية من الهجوم الهمجي من حفنة ضالة يقودها القاتل الصهيوني "أدرعي"، حاولت أن تخدشني لأني نشرت تغريدة استنكار لسلوك بعض المنتسبين للمطبعين الجدد، من طبع ومن ينتظر دوره، هؤلاء الذي تهافتوا على تهنئة ذلك الصهيوني بعيد ميلاده، هذه الحفنة من الذباب والبعوض وكافة الحشرات الإلكترونية تثير الاشمئزاز الوطني والتقزز المجتمعي.. إذ قلت لهم بالحرف الواحد على تويتر: "ما هذه المخلوقات الإماراتية والسعودية التي تهنئ المُجرم الصهيوني (أدرعي) بعيد ميلاده؟ عسكري صهيوني قاتل مُلطَّخة يداه هو وقراده بالدماء العربية النبيلة.. ما هذا التدنِّي؟ أنتم عار على عار على عار".

طوال حوالي 50 عاما في عالم الصحافة المصرية والإقليمية والدولية، ونحن لا نرد على من يهاجمنا، تعلمنا في دار أخبار اليوم (قلعة الصحافة العربية والإقليمية) أن نجمع اوراق الهجوم علينا -إن حدث وكثيرا ما حدث ويحدث- ونضعها تحت أقدامنا ونقف عليه لنرتفع عن الأرض قليلا، لكن حملة الذباب والبعوض والحشرات الإلكترونية التي تزعمها المتحدث باسم الجيش الصهيوني المجرم في إساءتها لي تجاوزت كل حدود المعقول واللامعقول.. وهي حملة لا تُثير إلا الشفقة، ولا تعليق لي عليها إلا كما قال الإمام الشافعي وهو الشاعر المجيد أيضا:

"يخاطبني السفيه بكل قبح...

فارفض أن أكون له مجيبا

يزد سفاهة وأزيد حلما...

كعود زاده الإحراق طيبا

و.. أعرض عن الجاهل السفيه

فكل ما قال فهو فيه

ما ضر ماء النيل يوما

لو خاض بعض الكلاب فيه"

ونواصل كشف "الزحف الصهيوني المدنس في المنطقة"، والتي تتسلل إليها الأفاعي الصهيونية!