اختصاصيون يحذرون من عواقب الظاهرة

التنمر الإلكتروني.. اغتيال معنوي للأشخاص والمؤسسات بأيدٍ معتلة نفسيًا

◄ 40% من الأطفال والمراهقين يتعرضون للتنمر الإلكتروني

الرؤية- مريم البادية

في ظل الانفتاح المعلوماتي والاجتماعي المطرد الذي يشهده العالم في هذا الوقت ومع انتشار الشبكات الاجتماعية التي هيأت للعالم الكثير من التسهيلات والخدمات من خلال فضاء واسع ومفتوح، إلا أنَّ هذا الفضاء كذلك لا يخلو من سلبيات تؤثر على فئات كثيرة من المجتمع بما يحتوي من ثغرات قِيمية وأخلاقية، مثل ظاهرة التنمر الإلكتروني، التي يرجح بعض الاختصاصيين النفسيين، أنها الأكثر ضرراً، ويؤكدون أنّ أعداداً كبيرة من الأطفال والمُراهقين وحتى المؤسسات والحسابات الرسمية والمسؤولين يتعرضون لخطر التنمر الإلكتروني يومياً؛ حيث إنَّ 20-40% يُمكن تصنيفهم على أنَّهم ضحايا تنمر إلكتروني.

محمد اللواتي.JPG
 

ويُعرِّف محمد بن رضا رمضان اللواتي الاختصاصي النفسي بمركز واحة الأمل للإرشاد النفسي، التنمر بأنَّه سلوك يطمح من خلاله المُتنمر في أن يحصل على الشعور بالقوة، والتحكم في ضحيته. مؤكداً أنَّ العنف المنزلي أحد أكبر الأسباب التي تؤدي إلى تفريخ شخص مُتنمر جديد، وأنَّ  التَّعرض للعُنف في المنزل يجعل الشخص يشعر بالضعف والعجز، وهذا يُدمر تقديره لذاته، ولأن تقدير الذات احتياج طبيعي للإنسان، فيبحث عنه بطريقة أو أخرى كسلوك التنمر.

ويستطرد اللواتي شارحاً عدداً من العوامل التي تدفع الشخص لمُمارسة هذا السلوك، وهي التعرض للضغوط والصدمات النفسية، مثل طلاق الوالدين أو وفاة أحد أفراد الأسرة أو ولادة طفل جديد في العائلة (التنافس بين الأقران)، والعنف المنزلي. فكل إنسان يتعامل مع ضغوطات الحياة بطريقته الخاصة وحسب الظروف المُحيطة. ويقول إنَّ البعض منهم يلجأ للسلوكيات الإيجابية كالعلاج النفسي، الرياضة، العبادة والتأمل. وهناك فئة أخرى تلجأ للسلوكيات السلبية كالتنمر، العُنف، شرب الكحول وتعاطي المُخدرات. وهي الفئة التي لا تستطيع التعامل مع ضغوطات الحياة بشكل إيجابي، مبيناً أنّ السلوك العنيف ومنظومة الذكورية السامة، كما وصفها تعتبر العامل الثاني في خلق حالات التنمر، مشيراً إلى أن بعض الدراسات تبين أن نسبة المُتنمرين الذكور تتراوح بين (٦٠-٧٠٪) من مجموع المتنمرين. مرجعاً السبب وراء هذه النسبة العالية إلى الطريقة التي يُربى بها الذكور وبعض المفاهيم الاجتماعية الخاطئة. وعند المُقارنة بين الطريقة التي تتم بها تربية كلا الجنسين، ضارباً المثل بما يسمع للطفل الذكر عند تعبيره عن أيِّ شعور وهي عبارة "خليك رجال ولا تتصرف مثل البنات"، وفي بعض المُجتمعات يتم تشجيع الفتيات على التعبير عن مشاعرهن، ولكن الرجل يجب أن يتحمل دائماً ولا تترك له فرصة التعبير عن نفسه. وهذا هو أحد الأسباب التي تُؤدي لارتكاب الذكور الإجرام والعنف والتنمر بشكل أكبر. هذه مُشكلة اجتماعية وتتواجد في معظم دول العالم.

والعامل الثالث هو تقدير الذات المنخفض، فيقول اللواتي إنِّه من أجل إخفاء مشاعرهم الحقيقية يقوم بعض الأشخاص بالتنمر لتسليط الضوء على شخص آخر. داخلياً يشعر المُتنمر بازدراء نفسه ولا يحب نفسه أبداً ولكن لكي لا يضطر لمُواجهة نفسه فسيقوم بالتنمر على الآخرين كطريقة لتشتيت وتحويل المشاعر لشخص آخر. فالتنمر يُعطي الشخص مشاعر إيجابية مُؤقتة تساعده على التعايش مع تقدير الذات المُنخفض الخاص به.

والعامل الرابع هو التعرض للتنمر، حيث إنَّ الشخص الذي تعرض للتنمر قد يصبح مُتنمراً في المستقبل. وهذه طريقة للدفاع عن النفس حيث إنه في كثير من الأحيان لا يتوقف التنمر على شخص إلا إذا أصبح مُتنمراً بنفسه.

ويذكر اللواتي أنَّ العامل الأخير عائد إلى البيئة الأسرية، كالإهمال الأسري وعدم الاهتمام بالأطفال، وهذا الأمر يحدث في الأغلب لدى العوائل الكبيرة. وكذلك عدم الحصول على الاحتياجات الأساسية من الوالدين يجعل الشخص مُشتتاً وضائعاً وهذا قد يجعله يلجأ لأي شيء يُعطيه الإحساس بالانتماء (اللجوء لمجموعات تتميز بسلوك التنمر).  وأيضاً الشعور بالرفض وفقدان الحب غير المشروط، هو أسرع طريقة لخلق شخص مضطرب نفسياً، وإذا كان هناك عنف ونزاعات وخلافات فسيكون الوضع أسوأ.

ويتابع اللواتي حديثه مبيناً أنَّ التنمر أصبح أكثر سهولة في عالم الفضاء الإلكتروني، والسبب هو مقدرة المُتنمر على إخفاء هويته وبالتالي يستطيع أن يتجنب أي عقوبات ستصدر في حقه. أعتبر التنمر الإلكتروني خطيراً وقد يُؤدي لنتائج وخيمة إذا لم نعرف كيفية التصدي والتعامل معه. وأخيراً لا نستطيع أن نقول بأنَّ التنمر نوع من أنواع المزاح لأنه سلوك سلبي جداً.

ويضيف اللواتي أنَّ أغلب المتنمرين إلكترونياً هم من صغار السن، ولكن هذا لا يعني أنَّ الكبار لا يمارسون هذا السلوك، ويجب التأكد من الإحصائيات قبل أن نُعمم سلوك التنمر على فئة صغار السن، معتبراً أن البيئة الأسرية تلعب دوراً كبيراً في صناعة المتنمر، وأن خلف كل مُتنمر قصة حزينة بدأت من المنزل.

ويُوجه اللواتي نصيحة إلى المتنمر قائلاً: قد تعتقد بأنَّ هذا الشعور اللحظي هو أفضل خيار متاح أمامك، ولكن صدقني على المدى البعيد سيكون لسلوك التنمر نهاية سيئة. فالأشخاص الذين تتنمر عليهم سيكونون مُسؤولين في الدولة وتجارا كبارا في يوم من الأيام، وستعمل معهم ولكن قد لا ينسى بعضهم تنمرك عليهم ولن يرحبوا بك. ويضيف هناك دراسات كثيرة تربط التنمر بالإدمان على الكحول والمخدرات والموت في حوادث السيارات وبالتالي هي ليست أفضل طريقة للتعامل والعيش، موصياً الجميع بمحاولة تطبيق مبادئ إنسانية كالاحترام والمحبة حتى يستمتعوا بشعور أجمل وعلاقات جميلة ترفع من شأنهم ومستقبلهم.

ودعا اللواتي الآباء إلى حب فلذات أكبادهم وأن يزيدوا ثقافتهم حول أساليب التربية الصحيحة والفعّالة لكي يصنعوا أشخاصاً سليمين نفسياً، مؤكداً أن سلوك الإنسان في كثير من الأحيان هو انعكاس لما يحدث معه في المنزل.

هيثم الجهوري.JPG
 

من جانبه، قال هيثم الجهوري إنَّ هناك دراسة أكدت أنَّ موقع "انستجرام" هو الأكثر عرضة لأساليب التنمر، حيث يُشكل ما نسبته 42%، ويأتي بعده "فيسبوك" بنسبة 37%، وبعده "سناب شات" بنسبة 31%، ثم "واتس آب" بنسبة 12%، ثم "يوتيوب" بنسبة 10%، وأخيراً موقع "تويتر" بنسبة 9%، ويُعدد الجهوري أشكال التنمر التي تتمثل في تشويه سمعة الأفراد، ونشر الشائعات ضدهم، وانتحال هوية شخص ما، وغيرها.

وقالت الدكتور حفيظة البراشدية الباحثة بوزارة التربية والتعليم، في إحدى أوراق العمل التي قدمتها مؤخراً، إنّ أعدادا كبيرة من الأطفال والمُراهقين يتعرضون  لخطر التنمر الإلكتروني بشكل يومي، حيث إن 20-40٪ يمكن تصنيفهم على أنهم ضحايا تنمر إلكتروني.

ضحايا التنمر التقني

علي الشيادي.JPG
 

يقول علي الشيادي إنَّ المسيء يبدأ بالهجوم بعد كل نجاح يُحققه شخص ما، مستخدمًا كلمات خادشة وجارحة أحياناً، ففي عام 2014، كانت لنا مشاركة في إحدى المؤتمرات، وكانت مهمتنا أخذ بعض اللقطات المصورة، ونشرها في حساباتنا، وبعدها هاجمنا أحدهم بكل ما لديه من قوه للتشكيك في الدين والالتزام والأمانة والأخلاق وكل شيء.

ويضيف الشيادي أنَّ السبب، يعود إلى ظهور امرأة ضمن المشاركات في المؤتمر، وكانت من زاوية بعيدة، كما أنها كانت بكامل حجابها وحشمتها وأخلاقها. ثم أصبح المسيء يتهجم علينا في كل عمل، رغم أننا ألنّا له الحديث وتلطّفنا معه في التعامل.

ويسرد الشيادي حادثة أخرى تعرض لها في عام 2016،  قائلاً إنَّ إحدى الجهات نشرت خبراً غير صحيح أثار الرأي العام، فقمنا بتوضيح الصحيح، وما هي إلا ثوانٍ حتى انهالت علينا بعض الحسابات بالشتائم والتخوين والقدح. منها حساب لشخصية معروفة، بالغت في اتهامنا بما ليس فينا.

وأضاف الشيادي، لقد تعاملنا مع هذه الشخصية بأخلاقنا وبكل هدوء، وحين زاد تطاولهم، فضلنا الصمت عن الرد عليهم، وتركنا الأدلة والحقائق تتحدث عن نفسها وبعد اتضاح الصورة كاملة لجأت تلك الشخصية والحسابات التي تؤازرها لحيلة الهروب للأمام بحذف ردودهم والحظر، ويُؤكد الشيادي أن بعض المُتنمرين لا يحتاجون إلى سبب للهجوم على شخص لم يتعرض لهم أساساً فقد تحركهم تغريدة تدعو للتفاؤل لممارسة الهمز واللمز والتعريض عبر وسائل التواصل الاجتماعي في كل مناسبة وغير مناسبة، ومبيناً أن المتنمر لن يحصد في نهاية الأمر إلا إهدار وقته وجهده.

يذكر أن عدداً من مشاهير الفن تعرضوا لحملات تنمر على مواقع التواصل الاجتماعي، مما جعل بعضهم يعتزل هذه المواقع لبعض الوقت، منهم على سبيل المثال المطرب الإماراتي حسين الجسمي بعد الهجمة الشرسة التي شنت عليه واتهامه بأنَّه "فأل سوء" على لبنان، نظراً لأنه غنى في حفله الذي أقيم في "دبي أوبرا" أغنية "بحبك يا لبنان" للسيدة فيروز، قبيل الانفجار الرهيب في بيروت، ودخل بعدها في حالة اكتئاب.

كما قام المطرب السعودي عبدالمجيد عبدالله في مطلع هذا العام بإغلاق حسابه على "تويتر". وأرجع المغردون السبب في ذلك إلى "التنمر الإلكتروني وقبيل إغلاق حسابه، غرَّد عبدالله قائلاً: "مشواري الفني 36 سنة وكل هذه الألفاظ أسمعها وأنا في الخمسينات من عمري"، ثم اعتذر عن بعض الكلام "الجارح".

وأطلق موقع "تويتر" ميزة جديدة، تُساعد المستخدمين على تحديد من يمكنه الرد على التغريدات لمنع إساءة الاستخدام والمُضايقة. ومن خلال تقييد الردود بمجموعة محدودة من الأشخاص، فيُمكن للمستخدمين إجراء محادثات أعمق وأكثر تركيزًا مع أشخاص من اختيارهم، دون القلق من دخول المتصيدين إلى المحادثة.

تعليق عبر الفيس بوك